ـ[راحل]ــــــــ[08 - 04 - 2013, 01:51 م]ـ
ما أعذبَ الحنينَ
كالمخدرِّ, يقيكَ الأنينَ.
يدبُّ في الإنسانِ, فيلامسُ النعاسَ جفنُهُ , ثم يُلجِمُهُ النومُ إلجاماً.
مصدرُهُ مجهولٌ , وأيُّ شئٍ يعوضُّ يدَ الطبيب.
قَدْ يجلُبُهُ نوحُ حمامةٍ , أو نسمةٌ داعبتْ فيكَ الصبابةَ.
قد يُثيره هملُ سحابةٍ , أو بيتُ شعرٍ أنفذهُ بكَ قائلُهُ.
قد يُوقظهُ دمعةٌ من عينِ مهجورِ , أو تأوهٌ من قلبٍ أضناهُ الجَوى.
ما أعذبَ الحنينَ.
قد تحِنُّ لأرضٍ وبيوتٍ , غرفٍ ونوافذ.
تُرى خامدةً هامدةً , غيرَ أنكَ موقنٌ أنها حَيّةُ يافعةٌ.
زِقاقٌ ضيقةٌ , أبقتْ خُطاكَ بها درباً لنْ يدْرُسَ.
فيها بقايا طفولتِكَ الطاهرةِ , وآلامُكَ الغابرة , وشيءٌ من آمالِك المبعثرة.
أيامَ كانَ أشقى ساعةٍ حينَ تُمنعُ اللعبُ , وحينَ تجاهدُ النّومَ كي تُتمَّ لهوَك, فتنتصر, يمتلئُ صدرُكَ حُبوراً.
كانتْ صوارفُ الزمنِ تحيدُ عن نهجِك , حتى كأنّكَ مُحَرّمٌ عليها.
"ماأصبحتْ دنياي لي وطناً ... بل حيثُ دارُك عندي الوطنُ"
ما أعذبَ الحنينَ.
قد يكونُ لذويك , أبٌ لا يكادُ يأفلُ يومٌ دون نصيحته , وأمٌ لا تفتأُ تحيطُكَ بدعوةٍ.
يبزغ فجرُكَ من قولِهم "صباحُ الخيرِ يا ولدي" بحروفٍ خُلقت من الصدق.
كانوا هُمُ الأمانَ والحنانَ , ودربَكَ إلى الجِنانِ.
وإخوةٌ يلمُّكُمْ مزاحٌ , وحيناً صراخٌ.
أعضادُ عتيةٍ تقاسمتْ شؤونَ الحياةِ , ومناكبُ ملتحمةٌ عجزتْ دونها طوارقُ الحَدَثانِ.
كم ليلةٍ أسْهرتْ قمرَها قيّماً عليكم , يرقُبُ أحلامَكم, ويُعجبُ من جنونِها , ويُفجعُ بعدمِ حدودِها.
"فارقتكم , وحييت بعدكم ... ماهكذا كان الذي يجب!! "
ماأعذبَ الحنينَ.
قد يكونُ لإنسان , جمعَكُمَا الزمانُ مصادفةً, كفرسانٍ تلاقَوا فجراً.
وحين تآلفتْ أرواحُكُمَا, وأشرقتْ شمسُ المودةِ , أسرجَ خيلكما لتمرح في لاحب العمر.
أتتْ عليكُما الظهيرةُ فبلغتْ الخلةُّ منتهاها, وتوهّجتْ حتى أُشْبعتِ الأشياءُ نوراً, ولمْ يعدْ لها فيء.
شَدوتُما حتى ثمِلتُما جدلاً , فطربتْ لكما عقاربُ الحياةِ ,وغفلتْ عن لدغِها.
وعندَ الأصيلِ, انسّلتْ الشمسُ هاربةً مذعورةً منِ الدَيجورِ.
جلستَ تتأملُ كيف لهذا النّورِ الجبّارِ أن ينتكسَ على عَقبيهِ!!.
استدرتَ عازماً إعلامَ صاحبك ,لكنَّ ليلَ النوائبِ استلَهُّ منكَ , لتفزعَ كالمأفونِ تجري بكلِ وجهٍ ,وتصرخَ بكل فجٍ.
بقيتَ تسعى حتى غلبَكَ اليأسُ, فعادَ الزمنُ وضرَبَ خيلَكَ بسوطِهِ, فاستقادتْ وعادتْ لشَرَكِ العمرِ الضيقِ, حاملةً جسداً مسلوبَ الفؤادِ.
"نصيبُك في حياتِكَ من حبيبٍ ,, نصيبُكَ في منامِكَ من خَيالِ".
ما أعذبَ الحنينَ.
قد يكونُ لميت.
تركَ فيكَ مَيسمَهُ , إما أنْ تكونَ آنستَ أفعالَهُ ,وقاسمَكَ جزءاً من حياتِكَ ,
أو لاقيتَهُ في بطونِ الكتبِ , أو على شفاهِ القاصّين.
تتأملُ شخصيتَهُ ,وتتقلبُ في دقائقِها ,ولا تزولُ ذكرى حتى تستقرُّ أخرى محلَّها.
تتبسمُ في الموضعِ الذي يؤنسُهُ , وتطوفُ ضحكتُهُ بخيالِكَ, لتضيَ ليلاً حالكاً سّعّرَهُ البينُ.
يستبحرُ الحزنُ فيكَ حينَ تتأملُ جرحاً آلمَهُ , وتذوقُ مرارةَ دمعتِهِ حينما تخالطُ عبرةً منكَ.
تسير ُعلى ذاتِ دربِهِ , ولا تدري متى تلاقيهُ , فشفَكَ الولَهُ حتى هويتَ الشعوبَ.
تزورُ مثواهُ , لتلقي السلامَ , وهو مِنْكَ " بعيداً على قربِ , قريباً على بعد ".
"جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ ... شتّانَ بين جوارِهِ وجِوارِي!! ".
ما أعذبَ الحنينَ.
وإن شئتَ فقلْ ما أغربَ الحنينَ.
كالمخدرِ , يقيك الأنين , ولكن عندما تُفيقُ , تودُّ أنك لم تغفلْ عن دبيبِهِ , ولمْ تُسْلِمْ جسدَك لمادتِّهِ ,
فكل ما يعقبُهُ هو الأنينُ ... وحدَهُ الأنينُ.
فابْكِ ماشئتَ على ماانقضَى ... كل (شيء) مُنْقَض ذاهبُ
ـ[امرؤ القيس]ــــــــ[19 - 04 - 2013, 12:47 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الفاضل، ما شاء الله أسلوب رشيق يطرب الجليس ويجعله يَصِحُّ ويُفِيق
لا تحرمنا من جديد إبداعك وروائع متاعك