ملتقي اهل اللغه (صفحة 11589)

لكن النَفَس البدعي قد طغى على الكتاب! والطعن في علماء السلف الصالح ظاهر مكشوف، فيتهم ابن تيمية بالاضطراب (ص49)، ويفتري على الشيخين ابن باز والشيخ صالح الفوزان، فيزعم أنهم لا ينفون النقص عن الله إلا بورود نصّ خاص (ص53)، وينبز السلف الصالح بالتجسيم والتشبيه ويحتج بالمتشابه من الكلام .. ويعرض عن المحكمات .. ويتتبع الزلات .. ويتدثر بالألفاظ المجملات .. وما حال المذكور وأسلافه إلا كما وصفهم الإمام أحمد قائلاً: (يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبِّهون عليهم) الرد على الزنادقة ص172.

وصاحبنا (العصري) مصاب بداء الوصاية ـ كما سبق ـ ومتلبِّس بـ (المصادرة)، إذ يستدل على قوله بنفس دعواه! وهو مفتون ومسحور بالفخر الرازي، ولا غرو فإن الرازي صاحب (السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم)!

ويتعمّد المؤلفُ التفاصحَ في عباراته، والتشدّق في تقريراته، والتشبّع والتطويل بالنقول وأنواع التقاسيم .. وهذه العبارات العسيرة وما فيها من غثاثة تشبه الجعجعة والضجيج الذي يُخوّف به الصبيان وأشباههم!

وأخيراً ففي الكتاب من الجفاء والوحشة والرعونة في حق الله - عز وجل - ما هو ظاهر بيِّن، وحشد أنواع التأويلات الفاسدة المتعسفة، والركون واللياذ عقب إيراد هذه التحريفات إلى الجهالات والعمايات.

قال ابن تيمية: " وأكثر هذه التأويلات المخالفة لمذهب السلف وأهل الحديث تتضمن من عيب كلام الله ورسوله والطعن فيه ما هو من جنس الذين يلمزون النبي من المنافقين، لما فيها من دعوى أن ظاهر كلامه إفك ومحال وكفر وضلال، ثم صرفها إلى معان يُعلم أن إرادتها بتلك الألفاظ من الفهاهة والعِيِّ وسبيل أهل الضلال والغَيِّ، فالمدافعة عن الله ورسوله من سبيل المؤمنين والمجاهدين كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (جاهدوا المشركين بألسنتكم وأيديكم وأموالكم) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.

ومن ذلك بيان سخافة عقول هؤلاء المنحرفين، وكونهم من أهل الضلال المبين، كالذين ذمّهم الله من الذين يحرِّفون الكلم عن مواضعه، والذين لا يفقهون، ولا يتدبرون القول، وشبّههم بالأنعام، والحُمُر المستنفرة، والحمار الذي يحمل أسفاراً " جواب الإعتراضات المصرية ص104.

وإذا كانت سائر الصفات لا تُعلم معانيها مطلقاً، فهل يتحقق التعبد بصفات الله عند أقوام لا يعلمون آيات الصفات إلا أمانيّ؟! وهل يحصل الأنس بالله - تعالى -، وتمام التعلق به، وتحقيق مقصده وتألهه إلا بالعلم بمعاني أسمائه وصفاته، والتفقه في هذا الباب الجليل والمطلب النفيس.

فأعظم الناس علماً بصفات الله، وأكملهم فقهاً لمعاني أسمائه الحسنى وصفاته العلا هو أتمّ الناس عبادة لله – تعالى -، وأشدهم حباً وخشية ورجاء لله - عز وجل -.

وإذا كان أهل الإسلام بفطرهم الوجدية يخافون الله ويرجونه، ويدعونه رغبا ورهباً، لما قام في قلوبهم من إثبات أسمائه وصفاته الدالة على كمال رحمته وإحسانه وبرّه، وعظيم بطشه وشديد غضبه وانتقامه. فهل يعي أهل التفويض هذا الأمر الفطري الضروري؟ أم ينكرون ما يجدون في أنفسهم من إقرار ومعرفة بمعاني الصفات؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015