ورأيتُ فيه أنكم لم تكملوا ذكر ولد معاوية بن بكر بن هوازن، ومن ولده بنو عامر بن صعصعة، وهي من قبائل العرب الكبيرة، وقد ذكرتُها -أيضا- في المتن، فلعلكم تتكرمون بإضافتها.
هذا، وقد كنت رأيت من أول يوم وضعت فيه المتن أن أكمل بوضع مشجرة كهذه، ولم يغب ذلك عني، وإنما تركته عامدا مع علمي بنفعه، وذلك لأمور، منها:
1 - أن كتب الأنساب القديمة كلها جارية على الطريقة التي جريتُ عليها في المتن، وهي طريقة العرب الأولين والمتأخرين وطريقة أهل الأنساب في حفظ الأنساب، يقولون: ولد فلان فلانا، وفلان هو ابن فلان بن فلان بن فلان، وهكذا، فأحببت أن أجري على سننهم، وأسعى في مضمارهم.
2 - أني رأيت الطريقة القديمة التي تبعتها أسهل للحفظ، مع إقراري بأن وضع المشجرات أيسر للتصور، فالذي ينظر في المشجرات يتصور تشعب هذه الأنساب، لكنه لا يجري لسانه بذكر الأنساب، فلو قلت له: انسب لي فلانا، وجدته يتخيل في ذهنه تلك الصورة، ثم يتتبع نسب فلان، ويرتقي فيه ارتقاء بطيئا، لا يجري لسانه بذلك جريا، بل يحتاج إلى تخيل واستحضار.
وأما الحفظ بالطريقة التي اتبعتها فيعود اللسان تعويدا عجيبا على ذكر النسب، فيصبح ذلك يجري على اللسان جريا، لا يتعنى فيه المرء ولا ينصب.
وقد رأيتُني -بفضل الله- أذكر النسب الطويل يجري به لساني جريا، لا أتلعثم فيه ولا أتلجلج، كأنما أسرد اسمي، وذلك بفضل الله ثم تعودي على حفظ هذه الأسماء حفظا لفظيا لا حفظ صورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
وأقول بعد هذا: إنني أقر بعِظَم نفع هذه المشجرات، ولذلك أشار علي بعض إخوتي أول ما وضعت المتن أن أرفق معه مشجرة كهذه، فأجمع بين الأمرين، وآتي بالخيرين، غير أني أبيت حينئذ وقلت: إذا وجد الناس المشجرة نظروا فيها نظرة واحدة، ورأوا في أنفسهم أنهم قد وعوا ما في الكتاب، ولم تنشط أنفسهم بعد ذلك لحفظ المكتوب، ثم لو سألت أحدهم بعد ذلك عن نسب فلان أو فلان رأيته يتردد ويجهد نفسه لاستحضار ما رآه في الصورة، لأن لسانه لم يجر بذلك، ولم يألف هذَّه هذًّا سريعا.
واليوم قد أكمل أخونا الفاضل الكريم يوسف خطاب ما كنت أنازع نفسي في وضعه وتركه، وخدمنا بذلك خدمة كريمة نشكرها له، ونسأل الله أن يجزيه خيرا، وأن ينفعنا بما وضع، وللناس طرق ومشارب في الحفظ والاستحضار، وقد يجد بعض الناس أن هذه أنفع له، فليمض كلُّ طالب علم على ما يراه أوفقَ له وأرفقَ به، وبالله التوفيق.
ـ[يوسف خطاب]ــــــــ[23 - 11 - 2013, 11:10 م]ـ
نعم، وأنا ما كنت أستعمل التشعيب أولَ أمري، حتى سألني فتى هولندي أن أشرح له شيئا من النحو، وكانت تلتبس عليه أبوابه حتى شعَّبت له، فأبدى الصريحُ عن الرغوة، ومن بعدُ صرت أشعب ما يمكن تشعيبه. وهذه الطريقة كما ذكرتَ لا تحسن إلا جنب دراسة الأصل حتى يمرن المرء على الإخبار بالعلم والاستشهاد به، ولا يكتفي بأن يعلمه. وقل من أوتي أن يفهَم ويُفهِم، أو يحفظ فيخبر، وإنه ليُثنى على الرجل لاستحضاره الوحيّ، بقدر ما يُثنى عليه لحفظه القوي.
بارك الله فيك وزادك علما، وأنا ما زلت أنظر شرح عروق الذهب وأتحين مقطعاتك، فأرجو أن تعجل بها، ولا تطيل زمن ما بينها.