باللعابات التي استخرجها ماناقراطس بشعر موزون ذي ثلاثة مصاريع (?) ، ولعلهم لم ينتظروا حتى عهد أبي الريحان البيروني ليعرفوا أن للهند كتبا في العلوم مقدرة بأوزان كالأراجيز (?) ، وأنهم اختاروا أن تكون منظومة ليسهل استظهارها (?) .
قد يقال كل ذلك، ما دامت مصادرنا لا تزال تظن علينا بأي تغيير ولو جزئي، في الصورة العامة، وربما كانت إضافة شيء يسير إلى الصورة السابقة أمرا عزيزا، فلا أقل من وضعها في أبعاد جديدة وتحت أضواء كاشفة، وهذا هو ما ستحاول تحقيقه الفصول التالية. أما هنا، فإن تتبع المصادر في سبيل استنطاقها عن شيء جديد يضاف إلى الصورة المعروفة، هو الحافز الأول، وفي هذا الصدد كان لا بد من الاتجاه إلى الأندلس والقيروان.
ومن المستبعد أن تكون الأندلس قد تلقت تأثيرا مباشرا من الأدب اليوناني، وإنما اعتمدت على ما ترجم من آثار يونانية في المشرق، ولكن المثقفين، وغير المثقفين بالأندلس كانوا يحسنون اللاتينية أو صورة منها، وقد كانوا يتحدثون بهذه اللغة منذ عهد مبكر، وكان المثقفون منهم يدركون دقائق الفروق بينهما وبين العربية، وعندما وضع ابن حزم كتابه في تقريب حد المنطق، توقف عند بعض المصطلحات فقال: " ومن أحكم اللغة اللطينية عرف الفرق بين المعنيين اللذين قصدنا في الاستفهام "، وقال في موضع آخر من كتابه هذا " ولهذا المعنى في اللطينية لفظة لائحة البيان (?) " والشواهد على اتقان الأندلسيين للغة اللاتينية كثيرة، ونحن نعلم أن الأندلسيين ترجموا كتاب أوروسيوس (هروسيس) ، وهو كتاب في التاريخ، وصل إليهم في عهد عبد الرحمن الناصر (?) ، وقد بقيت نسخة من هذا الكتاب محفوظة بمكتبة جامعة كولومبيا (تحت رقم، X 893. 712 H) ، وقد وصف هذه النسخة، وترجم بعض أجزائها إلى الإيطالية