شديدة جعلتها تجنح بركابها، فكل من كان على ظهر السفينة؟ عدا سيمونيدس - كان لديه ما يحرص على حمله رجاء أن ينتفع به إذا كتبت له السلامة، ووصل الشاعر إلى البر وغرق كثير ممن أثقلوا أنفسهم بحمل الحوائج، ولما وصل سيمونيدس والقلة الذين نجوا إلى مدينة كلازوميني (Clazomenae) أقرب المدن إلى المكان الذي وصلوا إليه، التقى سيمونيدس من عرفه من لحن القول، لأنه كان معجبا بشعره، فرحب به وأكرمه، أما بقية الناجين فأخذوا يستجدون الناس ليقيموا أودهم، وبذلك كانت فضيلة الشعر التي يحملها سيمونيدس أينما توجه هي السبب في ما لقيه من بر وإكرام. وقال سيمونيدس للقوم الذين نجوا: " لقد أخبرتكم أنني أحمل معي جميع مقتنياتي، أما أنتم فقد ضيعتم ما كنتم تقتنون، في هذه العجلة " (?) . وفي رواية مختار الحكم: أن الحكيم الذي كسر به المركب، عمل شكلا هندسيا على الأرض، فرآه قوم فمضوا به إلى ملك تلك الجزيرة، فوقع بأن يكتب إلى سائر البلدان: " أيها الناس اقتنوا ما إذا كسر بكم البحر مركب سار معكم، وهي العلوم الصحيحة والأعمال الصالحة " (?) . ومناللافت للنظر أن هذه الرواية تعلي من شأن العلم، بينما تذهب الرواية اليونانية إلى إبراز قيمة الشعر، ولكن الروايتين تومئان إلى مدلول واحد، وهي ترجيح القنية الفكرية على القنى المادية، ومثلهما في هذا الصدد رواية ثالثة تحكى عن ديوجانس وهي أنه مر بعشار فقال له العشار: أمعك شيء، فقال: نعم ووضع مخلاته بين يديه ففتشها العشار فلم يجد فيها شيئا، فقال: أين ما قلت؟ فكشف عن صدره وقال: ها هنا حيث لا تقدر عليه ولا تراه (?) .