فيثاغورس: إما أن تتكلم بكلام يشبه لباسك أو تلبس لباسا يشبه كلامك (?) ، فهذا القول نفسه ينسب للمبرد (?) ، ولا تفسير لذلك إلا أن المبرد تمثل به في موقف مشابه. كذلك فإن بعض الأقوال إذا ترجمت من اليونانية إلى العربية أشبهت أقوالا سائرة في العربية، فاختلطت بذلك نسبتها، فالقول: " لا يكسب الإنسان الحسنة إلا بالتعب " من أقوال يوربيدس (?) ، ومع ذلك فلو نسبه أحدهم لأحد حكماء المسلمين لجازت النسبة. وكثيرا ما يحور المترجمون في النصوص المنقولة بعض تحوير لتشبه شيئا موجودا في تراث اللغة التي ينقلون إليها. وقد يكون المترجم أمينا غاية في الأمانة، إلا أن مصادره مضطربة تنسب القول الواحد لعدة أشخاص. فقد لاحظ الأستاذ شتروماير أن هذا القول: " إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به " قد ورد في المصادر الإغريقية واللاتينية منسوبا إلى ديموقريطس وديموستين وزينون الرواقي واكزنوقراطس وافقطيطس، فلما نقل إلى المصادر العربية نسب أيضا إلى سقراط وأفلاطون وديوجانس (?) . وقد تكون شهرة القول ودلالته على وجهة أخلاقية معينة سببا في نسبته لغير واحد، فهذا القول: " لولا قولي إني لا أعلم تثبيتا أني أعلم لقلت إني لا أعلم "، ومثله " ما كسبت من فضيلة العلم إلا علمي بأني لا أعلم "، يشير إلى حث على التواضع محمود في العلماء، ولهذا يمكن أن ينسب لغير واحد (?) .
وكثير من هذا التصرف يرجع إلى طبيعة الأقوال الحكمية والمنهج المتبع في النظر إليها، فهي على خلاف علم الحديث لا توثق بالرواية، ولا يهم اسم قائلها بمقدار ما يهم