لديهم حينما ترجموا " كتاب الشعر " الذي يستند على شواهد أدبية، فقد وضح بقوة أن التراجمة والمعلقين على هذا الكتاب من أمثال أبي بشر يونس بن متى والفارابي وابن سينا وابن رشد وحازم القرطاجني، قد عجزوا عن فهم ما فيه من مصطلح وعن الإفادة الصحيحة من قواعده وأحكامه، لأنه لم يكن لديهم أمثلة مترجمة؟ وبالتالي أمثلة أصلية - تدلهم على مفهوم الملحمة أو المأساة.
وفي إبان عصر الترجمة، قرر الجاحظ مبدأ يعد ذا حظ كبير من الصواب، إلا أنه رغم ذلك شديد الخطورة، وذلك هو أن " الشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع التعجب (?) " ومثل هذا المبدأ من شأنه أن ينفر الناس من ترجمة الشعر إلى العربية، أو يجعل أية محاولة في هذا السبيل قليلة الجدوى، وقد بقي هذا الرأي حيا على الزمن، حتى ردده أبو سليمان المنطقي في (القرن الرابع) حين قال: " ومعلوم أن أكثر رونق الشعر ومائه يذهب عند النقل، وجعل معانيه يتداخلها الخلل عند تغيير ديباجته (?) "، ولكنه لم يكن حائلا دون الترجمة في كل وقت، وإنما اصبح عذرا للمترجم واعتذارا عن الشعر المترجم، إذا هو بدا؟ حقا - فاقد المائية والرونق في شكله النثري.
وقرن الجاحظ إلى مبدأه ذاك مبدأ آخر حين أعلن أن " فضيلة الشعر مقصورة على العرب وعلى من تكلم بلسان العرب (?) "، ولعل هذا الحسم لا يتجشمه إلا من اطمأن من نفسه إلى معرفة واسعة بعدة لغات؟ أو على الأقل باللغات المشهورة في عصره، وهبنا فهمنا أن " فضيلة الشعر " هنا تعني " فضيلة إتقان الشعر " أي البلوغ فيه إلى درجة لا مثيل لها في اللغات الأخرى، فإن هذا المبدأ أيضا حجاب دون شعر الأمم الأخرى، وربما حمل في ذاته، إلى الشعور بالاستعلاء في هذه الناحية، تثبيطا لمن حاول أن يعرف ما لدى تلك الأمم من شعر.
ثم إن قصر " فضيلة الشعر على العرب " أمر داخل فيما أصبح يسمى المميزات الفارقة