حين كتب " السعادة والإسعاد " لجأ إلى اقتباس كثير مما ورد في " الأدب الكبير " دون أن يسميه (?) . ومثل ذلك يمكن أن يقال في كثير من الكتب التي ترجمت عن الفرس كعهد أردشير وكتاب الآيين وكتاب التاج في أخلاق الملوك وغيرها، فأن معظمها أصبح " معتمد " المرشحين لولاية الأمور، وقد عرفنا أن عهد أردشير كان مما يؤخذ أولياء العهود بدراسته والتعمق فيه مع أن أساسه قائم على طبقية مصمتة لا مجال لتخطيها، وشيء من وصولية عملية، وإنكار تام لمصطلح " العدالة " والاستغناء عنه بمصطلح " الحزم ".

وكان من جراء الإتمام الكبير بهذا اللون من الفكر أن أقبل الناس فيه على الترجمة والتأليف إقبالا كبيرا، فبعد عبد الحميد وابن المقفع نجد طاهر بن الحسين يكتب عهدا لابنه عبد الله حين ولاه المأمون ديار ربيعة، وينال العهد إعجاب المأمون فيأمر باستنساخه وتفريقه في الأمصار (?) ، ونجد عمارة بن حمزة يكتب رسالة " الخميس " وهي التي كانت؟ كما يقول ابن خلكان - تقرأ لبني العباس (?) .

ويستمر الأمر على ذلك، فينتزع ابن الداية مما زعم أنه رموز كتاب السياسة لأفلاطون ثلاثة عهود، ويطول بنا القول لو شئنا أن نحصر الإسهام في هذا الحقل عل مر الزمن، ولكن حين نرصد الظاهرة نفسها نستطيع أن نتبين جهدا آخر في هذا النطاق يتمثل في أمرين: أولهما صياغة الحكمة السياسية الأخلاقية في أقوال تسير بين الناس ويسهل حفظها، كما فعل أبو الحسن علي بن محمد الصغاني صاحب كتاب " الفرائد والقلائد في الاستعانة على حسن السياسة " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015