مصادرها يعد أمرا ضروريا إلى درس ما جرى لهذه الحكم حين استغلت في الصور الأدبية العربية، وبخاصة عند إدراجها في الشعر. وقد لقيت هذه الحكم عناية واهتماما بالغين خلال العصور، لطبيعتها الإنسانية والأخلاقية، فلم يقتصر الاهتمام بها على طلاب الفلسفة، وإنما شمل بعض الدارسين ممن كان يقف من الفلسفة موقف الحذر أو الانكار، فأدرجت في كتب الأدب من مثل مؤلفات الجاحظ وعيون الأخبار لابن قتيبة والعقد لابن عبد ربه والمجتنى لابن دريد، حيث عقد فصلا مستقلا لأقوال الفلاسفة اليونانيين (?) ، كما نثر أبو حيان التوحيدي عددا كبيرا منها في كتابيه " البصائر والذخائر " و " الامتناع والمؤانسة " وفي كتب أخرى له لم تصلنا، ويبدو أن أبا حيان مر بمرحلتين: مرحلة النقل عن المصادر السابقة، في البصائر، وكانت معرفته بالثقافة الفلسفية لا تزال محدودة، ولذا فهو لا يسمي من الفلاسفة إلا قليلا، ويجعل تلك الأقوال مصدرة بقوله: " وقال فيلسوف " ومرحلة التعرف المباشر إلى الفلسفة عن طريق أبي سليمان المنطقي ومدرسته، كما يبدو ذلك واضحا في الامتناع. وفي محاضرات الراغب الأصفهاني عدد منها وإن لم يكن كثيرا، وعدد أكثر في التذكرة الحمدونية لابن حمدون، وقد جرى أسامة بن منقذ على منهاج ابن دريد في إفراد فصل خاص بها (?) ، بعد أن نثر في تضاعيف كتابه " لباب الآداب " عددا منها، وربما كان ما ورد منها في " ربيع الأبرار " للزمخري معتمدا في أكثره على بصائر التوحيدي. كما اهتم بها المؤلفون في السياسة مثل أبي الحسن العامري في كتابه " السعادة والإسعاد " والطرطوشي في " سراج الملوك "، أو من جمع بين الموضوعين؟ اعني السياسة والأدب - مثل ابن هذيل الأندلسي في كتابه " عين الأدب والسياسة "، ومثل هذه المصادر لا تذكر على وجه الاستقصاء، فذلك أمر يبدو غير مستطاع، لضياع كثير من تلك المصادر، أو لوجود كثير منها في صورة خطية، بعيدة عن متناول الأيدي.

فإذا تجاوزنا هذه المصادر الأدبية والسياسية بحثا عن المصادر الأصيلة لتلك الحكم وجدنا أن العناية بها مرت في مرحلتين: مرحلة الترجمة في الحقبتين المشار إليها آنفا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015