وشفوفه، كأنما جزر عنه البحر يلتقطه الناس هنالك، وهو يقبل الجلاء لصفائه ويكون معه غيره من الحصى الأحمر والأسود ولكن كالبحري ليس بشفاف ولا صاف، وأظن هذه الحصى هي التي عنى القائل، أنشده لنا بعض أصحابنا:
دمشق بنا شوق إليها مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول
بلاد بها الحصباء در، وتربها ... عبير، وأنفاس الرياض شمول.
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الروض وهو عليل
فيكون الشاعر نسب هذه الحصباء إلى دمشق لأن موضع هذه الحصباء بأطراف الشام، فإن أول مكان لاقيناها به عند خروجنا من تبوك أو لعله يوجد في جهات دمشق.
ومما جرى لنا في هذه الصحراء، وغالب ظني أن ذلك كان صبيحة الليلة التي عقب يوم انفصالنا عن تبوك، فهب علينا نسيم طيب عند السحر، أوجد نشاطا أزال كسل السهر، فقلت لرفيق لي: ما هذه الرائحة؟ ولم أكن أعرف للشيخ طيب ذلك العرف.
أشيح الفلا ما نم أم عنبر الشحر ... أم العرف أهدت طيبة طيب النشر
فناولني غصنا عطر النفس، لم أدر حقيقته من الغلس، فقد قلد من الأنداء دررا وسقته المزن من أخلافها دررا، فسألت بعض الأعراب: ما هو؟ فقال: هذا هو الشيحُ، فقلت مطلع هذه الأبيات، ثم تشاغلنا بأداء صلاة الصبح، وصلات ذلك النسيم تنعم الأنوف بالنفح، فتذكرت المطلع بعدما تممت عليه:
أشيحُ الفلا ما نم أم عنبر الشحر ... أم العرف أهدت طيبة طيب النشر
وإلا فما بال الرياض تعطرت ... وما لثغور النور تبسم عن در؟