كانت إقامتنا بالمدينة شرفها الله يوم الأحد والاثنين والثلاثاء وليلة الأربعاء وانصرفنا غدوة يوم الأربعاء السادس والعشرين لذي قعدة، صلينا الصبح بذلك المحل الكريم، راجين فضله العميم، وودعناه وما ودعناه، وأودعناه الأرواح وسرنا بالأشباح، والضلوع تتقد، والدموع تطرد، ولسان المقال ينشد:
لئن أصبحت مرتحلا بشخصي ... فروحي عندكم أبدًا مقيم
ولسان الحال يردد:
محبتي تقتضي مقامي ... وحالتي تقتضي الرحيلا
فوافينا ذا الحليفة، وهي موضع إحرام المدنيين وجوبا، ومن اجتاز بها من غيرهم ندبا، وهي على ستة أميال من المدينة، وقد قيل على سبعة، وظاهر التقدير أنها ستة، وهي بضم الحاء المهملة وفتح اللام وفتح الفاء بينهما ياء ساكنة مخففة، وهي ماء من مياه بني جشم، وكان بينهم وبين خفاجة العقيليين وهي الآن يعرفها الناس ببئر على، وذو الحليفة أيضا موضع بتهامة، وقد جاء ذكره في الحديث، في حديث رافع بن خديج.
«كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم. . . . .»