أنيشة حصن من حصون بلنسية جبرها الله، على ثلاثة فراسخ، وذلك ضحى يوم الخميس الموفي عشرين لذي الحجة سنة أربع وثلاثين وست مائة، قَالَ: أنشدنا قائله الإمام أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن أبي بكر القضاعي الأبار، لنفسه رَحِمَهُ اللَّهُ:
ألما بأشلاء العلى والمكارم ... تقد بأطراف القنى والصوارم
وعوجا عليها مأربا وحفاوة ... مصارع غصت بالطلى والجماجم
نحيي وجوها في الجنان وجيهة ... بما لقيت حمرا وجوه الملاحم
وأجساد إيمان كساها نجيعها ... مجاسد من نسج الظبا واللهاذم
مكرمة حتى عن الدفن في الثرى ... وما يكرم الرحمان غير الأكارم
هم القوم راحوا للشهادة فاغتدوا ... وما لهم في فوزهم من مقاوم
تساقوا كئوس الموت في حومة الوغى ... فمالت بهم ميل الغصون النواعم
مضوا في سبيل الله قدما كأنما ... يطيرون من أقدامهم بقوادم
يرون جوار الله أكبر مغنم ... كذاك جوار الله أسنى المغانم
عظائم راموها فخاضوا لنيلها ... ولا روع يثنيهم صدور العظائم
وهان عليهم أن تكون لحودهم ... متون الروابي أو بطون التهائم
ألا بأبي تلك الوجوه سواهما ... وإن كن عند الله غير سواهم
عفا حسنها إلا بقايا مباسم ... يعز علينا وطؤها بالمناسم
وسؤر أسارير تنير طلاقة ... فتكسف أنوار النجوم العواتم
لئن وكفت فيها العيون سحائبا ... فعن بارقات لحن منها لشائم
ويا بأبي تلك الجسوم نواحلا ... بإجرائها نحو الأجور الجسائم
تغلغل فيها كل أسمر ذابل ... فجدل منها كل أبيض ناعم
فلا يبعد الله الذين تقربوا ... إليه بإهداء النفوس الكرائم
مواقف أبرار قضوا من جهادهم ... حقوقا عليهم كالفروض اللوازم
أصيبوا، وكانوا في العبادة أسوة ... شبابا وشيبا بالغواشي الغواشم