عام هياط ومياط، واشتد الحال في بعض الأيام، وعاين الناس وقع الحمام، تقدم رضي الله عنه للقتال مع رفيق كان له، وهبا أنفسهما له، فاستشهد رفيقه وخلص هو جريحا، بالعوم فقال: شيء وهبته لله فلا أرجع فيه فغادر الأهل والوطن، واقتعد غارب الغربة إلى محل الأنس، حرم الله الشريف، فتبوأه دارا ووالي مدة عمره حجا واعتمارا، وزيارة إلى المصطفى، إلى أن توفي على ذلك، وقد قضى من ذلك لبانات وأوطارا رَحِمَهُ اللَّهُ عليه.
ومما قرأته بخط شيخنا أبي اليمن ابن عساكر رضي الله عنه، مما نسبه لنفسه، وقد أورده أيضا في الجزء الذي خرجه في صفة النعل الكريمة معرفا بأنه من نظمه، وبينه وبين هذه التي نقلت من خطه بعض اختلاف، وكانت تلك النسخة مسموعة عليه، وأنا أورد بحول الله هذه الأبيات على ما نقلته من خطه، ثم أتبع ذلك بما وقع من الاختلاف بينه وبين المسموع عليه، وقال فيما خطه بيده أنه قاله حين شاهد مثال نعل سيدنا المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يا منشدا في رسم ربع خال ... ومناشدا لدوارس الأطلال
دع ندب آثار وذكر مآثر ... لأحبة بانوا وعصر خال
والثم ثرى الأثر الأثير فحبذا ... إن فزت منه بلثم ذا التمثال
قبل، لك الإقبال، نعل أخمص ... حل الهلال به محل قبال
أثر له بقلوبنا أثر بها ... شغل الخلي بحب ذات الخال
ألصق بها قلبا يقلبه الهوى ... وجدا على الأوصاب والأوجال