أبصوت أم دون صوت؟ فذكر له التقبيل من غير تصويت، فقال: إني لا أستطيع، قَالَ: فأطرق الشيخ ثم ارتجل هذه الأبيات رحمه الله:
وقالوا إذا قبلت وجنة من تهوى ... فلا تسمعن صوتا ولا تعلن النجوى
فقلت: ومن يملك شفاها مشوقة ... إذا ظفرت يوما بغايتها القصوى
وهل يشفي التقبيل إلا مصوتا! ... وهل يبرد الأحشا سوى الجهر بالشكوى
هكذا قاله: وهل يشفئ، فحرك حرف العلة للضرورة، ولا ضرورة بأن يقول وهل يبرئ وهي رديفة يشفي، وقد أوردنا في هذه المسألة ما فيه كفاية، وإنه ليغني عن رحلة شاسعة.
ثم عدنا إلى منى وأقمنا بها إلى يوم النفر، فتعجل الأمير وتعجلنا بتعجله، ونزلنا الأبطح حامدين لله شاكرين ذاكرين، وأوزعنا الله شكر نعمه، وأتم علينا عميم فضله وكرمه.
ذكر غريبة جرت لنا بمسجد الخيف من منى: أقمنا بها سنة بعد العهد بإقامتها، وهو مسجد كبير ليس له باب يصونه ولا سقف يكنه، وبوسطه أو قريب من وسطه موضع فيه تجصيص، يقال: إنه مصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله أعلم، يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي آخره في القبلة بقية سقف.
جاء أعرابي بدوي إلى ناحية من نواحي المسجد فرفع ثوبه وبال، فبادر الناس إليه وهموا به فصرفتهم عنه واستدعيت ذنوبا من ماء فصببته عليه، وأعلمتهم بالسنة الواردة في ذلك الأعرابي البائل في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ