ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر في غزوة تبوك استقى الناس من بئرها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يتوضؤوا من مائهم ولا يشربوا ولا يعجنوا منه، وما عجنوا منه فليعلفوه الإبل، وأمرهم أن يستعملوا في كل ذلك من ماء بئر الناقة، وأمر عليه السلام أن لا يدخلوا عليهم بيوتهم أعني بيوت أهل الحجر إلا باكين، ونهاهم عليه السلام أن يخرج أحد منهم تلك الليلة منفردا دون صاحبه، ففعل الناس ما أمرهم به صلى الله عليه وسلم إلا رجلين من بني ساعدة خرجا متفرقين: أحدهما للغائط فخنق على مذهبه، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له فشفي، وخرج الآخر في طلب بعير له فاحتملته الريح حتى طرحته في آخر جبلي طيء، فأهدته طيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
ورحلنا من هذا الموضع في آخر الليل، وشاهدنا في صبيحته من عجائب صنع الله ما يقف فيه الطرف، ويحار فيه الوصف، من الدور المنحوته في الجبال، المحكمة الصنعة، البديعة الإتقان، الفارهة النقش، وأكثرها لم يتغير كأنها قريبة العهد بالصنعة، وبعض تلك المساكن قد أخل بها نفوذ مياه الأمطار لأحجارها فتشقق بعضها، وصورة هذا الحجر أرض رملة متسعة، تحف بها جبال، كأنها أسوار لها، ولها مدخل ضيق كأن جانبيه مصرعا باب في غاية العلو، ومنه كان دخولنا إليه، وما وصفنا من التضايق عليه، وأثناء هذه الأرض المحجورة جبال صغار، فيجيئون إلى تلك الجبال الصغار فيمسحون وجه الجبل بالنجارة، ويحكمون تسويته بالنحت، ويفتحون فيه أبوابا، وينقشون جوانبها وأعاليها بأبدع الصنعة، ثم يتسعون في نقر الجبل قبالة الباب، وعن يمينه ويساره، ويصنعون فيه بيوتا.