كما كانت صناعة الأسلحة والدروع قائمة بالمدينة، يحترفها اليهود وقد روجوا لها ترويجًا كبيرًا حتى قالوا إنهم ورثوها عن داود النبي1 وكانت السيوف والنبال تصنع بالمدينة، ونبال يثرب مشهورة، وكان من الصناع من يتخصص في جلاء الأسلحة وصقل السيوف2. ثم كانت هناك أدوات الصيد يصنعونها من فخاخ وشباك وأشراك من الحديد وغير ذلك 3.
وإلى جانب هذه الصناعات الهامة كانت تقوم صناعات النسيج يقوم عليها النساء4، كما كانت الخياطة والدباغة من الصناعات والحرف التي يحترفها بعض الناس5، كما كان يوجد بناءون وعمال يقومون على النحت وضرب الطوب6، وصناع يصنعون آنية المنازل وأدواتها من نحاس وفخار للأكل والشرب وما إلى ذلك من مصنوعات هي مستعملات الناس وحاجاتهم اليوم.
وهكذا كانت الصناعة كثيرة في المدينة، وكان يقوم عليها أناس من أهلها من العرب ومن اليهود، ومن الموالي والعبيد ممن قدموا إلى المدينة وأقاموا فيها أو استقدمهم أهلها أو اشتروهم للعمل لهم، وقد كان في المدينة بعض من هؤلاء منهم فرس وروم وقبط وأحباش أقاموا بالمدينة وعملوا لأنفسهم أو لسادتهم بها. ولولا ظروف المدينة الداخلية التي عوقتها من نشاطها؛ لكانت مدينة ذات شأن خطير، ولربما تفوقت على مكة وسيطرت على منطقة الحجاز كلها. وقد أحسن أهلها فعلًا بمدى أثر هذه الخلافات المعوقة وسعوا إلى إصلاح شأنهم، ولما لم يكن من أهل المدينة من الزعماء من يستطيع أن يكسب رضاء كافة الأطراف؛ فقد رغبوا في إدخال عنصر أجنبي محايد لم يتورط في منازعات المدينة وخلافات عصبياتها، فكانت الهجرة النبوية التي تغير بها الوضع في المدينة تغيرًا كاملًا.