الذي أدى: أولًا، إلى قفل طريق التجارة المار بالعراق فمدن الشام، وثانيًا، اضمحلال نفوذ هاتين المملكتين على القبائل البدوية، حتى لم تعد الحيرة قادرة على حماية التجارة الفارسية في بلاد العرب، إلا عن طريق إتاوات تدفعها لهذه القبائل1، لتمرير هذه التجارات وحمايتها، وحتى مع دفع هذه الإتاوات فإن القبائل كانت كثيرًا ما تعتدي على التجارة، وقد تجرأت فدخلت في حرب ضد الدولة الفارسية وهزمت جيوشها وجيوش الحيرة معها في موقعة ذي قار2 وهي الموقعة المشهورة عند العرب. كذلك اضطربت الأحوال بين الروم والغساسنة حتى لقد أخذت هذه المملكة تهاجم أطراف الدولة البيزنطية مع القبائل البدوية بعد أن كانت تحمي حدودها.

وقد استفادت مكة من هذه الظروف كلها لتحتل مركز الوسيط المحايد، لنقل التجارة بين الشمال الجنوب، ولبعد موقعها عن نفوذ الدولتين ولحاجة الدول إلى هذه التجارة العالمية وبخاصة الروم؛ فقد قبلت أن يقوم رجال مكة بهذا الدور، فخرجت مكة عن عزلتها إلى المجال الخارجي، وأخذ رجالها عهودًا من الدول للمتاجرة في أراضيها في نهاية القرن الخامس الميلادي3 لتسمح لتجار قريش أن يدخلوا بلادها في سلام، وقد قام بهذا الدور أبناء عبد مناف: هاشم وإخوته الذين كانوا أصحاب النفوذ الأقوى في قبيلة قريش4.

وقد كان هاشم رجلًا حكيمًا نشيطًا، واستطاع أن يقوم على ترتيب القوافل التجارية؛ فجعل لها رحلتين في السنة رحلة في أشهر الصيف إلى الشمال، ورحلة في أشهر الشتاء إلى الجنوب، وقد ذكر القرآن خبر هاتين الرحلتين في معرض تعداد فضل الله على قريش5، وقد عمل على تأمين طرق القوافل بما عقده من محالفات مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015