المسلك الأول: أنه ثبت بالتواتر فضله وعدالته, وتقواه وأمانته, فلو أفتى بغير علم وتأهل لذلك وليس له بأهل لكان جَرْحًا في عدالته, وَقَدْحًا في ديانته وأمانته, وَوَصْمًا في عقله ومروءته, لأن تعاطي الإنسان ما لا يحسنه, ودعواه لمعرفة ما لا يعرفه, من عادات السفهاء, ومن لا حياء له ولا مروءة من أهل الخسة والدناءة, ووجوه مناقبه مصونة عن ابتذالها وتسويدها بهذه الوصمة القبيحة, والمذمة الشنيعة.

المسلك الثّاني: أن رواية العلماء لمذاهبه, وتدوينها في كتب الهداية, وخزائن الإسلام؛ تدل على أنهم قد عرفوا اجتهاده لأنه لا يحل لهم رواية مذهبه إلا بعد المعرفة بعلمه لأن إيهام ذلك من غير معرفة مُحَرَّمٌ, لما يتركب عليه من الأحكام الشرعية المجمع عليها, كانخرام إجماع أهل عصره بخلافه, والمختلف فيها كانخرام إجماع من بعده بخلافه, وجواز تقليده بعد موته.

المسلك الثّالث: أن نقول: الإجماع منعقد على اجتهاده, فإن خالف في ذلك مخالف فقد انعقد الإجماع بعد موته, وإنما قلنا بذلك لأن أقواله متداولة بين العلماء الأعلام, سائرة في مملكة الإسلام, في الشرق والغرب واليمن والشام, من عصر التابعين من سَنَةِ خمسين ومائة إلى يوم الناس هذا وهو أول المائة التاسعة بعد الهجرة, لا ينكر على من يرويها ولا على من يعتمد عليها, والمسلمون بين عامل عليها, وساكت عن الإنكار على من يعمل عليها, وهذه الطّريقة هي التي تَثْبُتُ بمثلها دعوى الإجماع في أكثر المواضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015