يكشف عن مصطلحات المحدِّثين التي يتداولونها في مصنفاتهم ودروسهم، وكتاب ابن الصلاح هذا كان واحداً من أحسن الكُتُب التي أُلِّفَتْ في علم مصطلح الحديث. قال الحافظ العراقي: ((أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح)) (?)، وربما كان ذَلِكَ لما حبا الله به ابن الصلاح من فطنة عالية، وجودة ذهن، وحسن قريحة، وسلاسة أسلوب، واستفادته من لَمِّ شتات كتب من سبقه بهذا الباب، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ((من أول من صنف في ذَلِكَ (?) القاضي أبو مُحَمَّد الرامهرمزي كتابه " الْمُحَدِّث الفاصل " لكنه لَمْ يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لَمْ يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني، فعمل عَلَى كتابه مستخرجاً وأبقى أشياء للمتعقب. ثُمَّ جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي، فصنف في قوانين الرواية كتاباً سماه " الجامع لآداب الشَّيْخ والسامع ... ، ثُمَّ جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب: فجمع القاضي عياضٌ كتاباً لطيفاً سماه " الإلماع " وأبو حفص الميانجي جزءاً سماه " مالايسع الْمُحَدِّث جهله " وأمثال ذَلِكَ من التصانيف التي اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها واختصرت ليتيسر فهمها إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمان الشهرزوري نزيل دمشق - فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية - كتابه المشهور، فهذَّب فنونه وأملاه شيئاً بعد شيء؛ فلهذا لَمْ يحصل ترتيبه عَلَى الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة فجمع شتات مقاصدها وضمَّ إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرَّقَ في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر)) (?).
ونحن نكتفي بقول الحافظ ابن حجر عن سوق أقوال أئمة آخرين في بيان أهمية وجودة هذا الكتاب، وعَلَى الرغم من نفاسة هذا الكتاب وأهميته البالغة فإنه لم يطبع