ولما تعهَّد الله تعالى بحفظ القرآن الكريم، كان مما احتواه هذا العهد ضمناً حفظ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك حفظ أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأسانيدها فكان الإسناد أحد الخصائص التي اختص الله تعالى بها أمة صفيِّه - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد أدرك الصدر الأول أهمية ذلك، فروى الإمام مسلم (?) وغيره عن محمد ابن سيرين أنه قَالَ: ((إنَّ هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم)) وروى (?) عنه أنه قال: ((لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)).
ومن ثَمَّ افتقر الأمر إلى معرفة ضبط الراوي وصدقه، فكانت الحاجة ماسة إلى استكمال هذا الأمر، فكان نشوء ((علم الجرح والتعديل)) أو ((علم الرجال)).
وعلى الرغم من أن هذا العلم لم يكن فجائي الظهور، إلا أنه لا مناص من القول بأنه كان مبكر الظهور جداً، وينجلي ذلك مما نقلناه سالفاً عن ابن سيرين، وقد كان المسلمون مطمئنين إلى أن الله تعالى يهيئ لهذا الأمر من يقوم به ويتحمل أعباء هذه المهمة الجسيمة، فقد أسند ابن عدي في مقدمة " الكامل " (?)، وابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " (?) أنه قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فَقَالَ: تعيش لها الجهابذة، {إنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}.
وعلم الحديث دراية ورواية من أشرف العلوم وأجلِّها، بل هو أجلها عَلَى الإطلاق بعد العلم بالقرآن الكريم الذي هو أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، فالحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعضه يستقل بالتشريع، وكثير منه شارح لكتاب الله تَعَالَى مبين له قال تَعَالَى: {وأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (?) وعلم الحديث تتفرع تحته علوم كثيرة ومن تلك العلوم: علم مصطلح الحديث وهو العلم الذي