الثَّاني: إذا قَرَأَ القارِئُ على الشَّيْخِ قَائِلاً: أخْبَرَكَ فُلاَنٌ، أوْ قُلْتَ أخْبَرَنا فُلاَنٌ، أوْ نَحْوَ ذلكَ؛ والشَّيْخُ سَاكِتٌ مُصْغٍ إليهِ، فاهِمٌ لذَلِكَ، غَيرُ مُنْكِرٍ لهُ، فَهَذا كَافٍ في ذلكَ. واشْتَرطَ بعضُ الظَّاهِرِيَّةِ وغيرُهُمْ إقْرَارَ الشَّيْخِ نُطْقاً (?)، وبهِ قَطَعَ الشَّيخُ (?) أبو إسْحاقَ الشِّيرازيُّ (?)، وأبو الفتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازيُّ، وأبو نَصْرَ بنُ الصَّبَّاغِ مِنَ الفُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّيْنَ. قالَ أبو نَصْرٍ: لَيْسَ لَهُ أنْ يَقُولَ: ((حدَّثَنِي)) أو ((أخْبَرَنِي)) (?)، ولهُ أنْ يَعْمَلَ بما قُرِئَ عليهِ، وإذا أرادَ روايَتَهُ عنهُ قَالَ: ((قَرَأْتُ عليهِ، أوْ قُرِئَ عليهِ وهوَ يَسْمَعُ)). وفي حِكَايةِ بَعضِ المصَنِّفِيْنَ للخِلاَفِ في ذَلِكَ أنَّ بعضَ الظَّاهِرِيَّةِ شَرَطَ إقْرَارَ الشَّيْخِ عِنْدَ تَمامِ السَّماعِ، بأنْ يَقُولَ القَارِئُ للشَّيْخِ: ((هوَ (?) كَما قَرَأْتُهُ عليكَ؟))، فيقولُ: ((نَعَمْ)). والصحيحُ أنَّ ذلِكَ غَيْرُ لاَزِمٍ، وأنَّ سُكُوتَ الشَّيْخِ عَلَى الوجْهِ المذكُورِ نازِلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيْحِهِ بتَصْدِيْقِ القَارِئِ اكْتِفَاءً بالقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، وهذا مَذْهَبُ الجماهِيْرِ مِنَ المحَدِّثِيْنَ والفُقَهَاءِ وغَيْرِهِمْ، واللهُ أعلمُ.
الثَّالِثُ: فيمَا نَرْوِيهِ عَنِ الحاكِمِ أبي عبدِ اللهِ الحافِظِ (?) -رَحِمَهُ اللهُ- قالَ: ((الذي أخْتَارُهُ في الروايةِ وعَهِدْتُ عليهِ أكثرَ مَشَايِخِي وأئِمَّةَ عَصْرِي أنْ يَقُولَ في الذي يأخُذُهُ مِنَ المحدِّثِ لَفْظاً وليْسَ مَعَهُ أحَدٌ ((حَدَّثَنِي فُلانٌ))، وما يأخُذُهُ مِنَ المحَدِّثِ لَفْظاً ومعهُ غيرُهُ
((حَدَّثَنا فُلاَنٌ)). ومَا قَرَأَ عَلَى المحدِّثِ بنفسِهِ: ((أخْبَرَنِي فُلاَنٌ))، وما قُرِئَ عَلَى المحدِّثِ وهوَ حَاضِرٌ ((أخْبَرَنا فُلاَنٌ)) (?).
وقَدْ رُوِّيْنا نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ -صَاحِبِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما- وهوَ حَسَنٌ رَائقٌ.