ومِنْ أحْسَنِ مَا يُحْكَى عَمَّنْ يَذْهَبُ هذا المذْهَبَ (?)، مَا حَكاهُ الحافِظُ أبو بَكْرٍ البَرْقَانيُّ عَنْ أبي حاتِمٍ محمدِ بنِ يَعْقُوبَ الهَرَوِيِّ - أحَدِ رُؤَسَاءِ أهلِ الحديثِ بخُرَاسَانَ - أنَّهُ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الشُّيوخِ عَنِ الفِرَبْرِيِّ (?) " صحيحَ البخاريِّ "، وكانَ يَقُولُ لهُ في كُلِّ حديثٍ: ((حَدَّثَكُمُ الفِرَبْرِيُّ)) فلَمَّا فَرَغَ مِنْ الكِتَابِ، سَمِعَ الشَّيخَ يذكُرُ أنَّهُ إنَّما سَمِعَ الكِتَابَ مِنَ الفِرَبْرِيِّ قِرَاءَةً عليهِ، فأعَادَ أبو حاتِمٍ قِرَاءةَ الكِتَابِ كُلِّهِ، وقَالَ لهُ في جميعِهِ: ((أخْبَرَكُمْ الفِرَبْرِيُّ)) (?)، واللهُ أعلمُ.
الأوَّلُ: إذا كانَ أصْلُ الشَّيخِ عِندَ القِرَاءَةِ (?) عليهِ بِيَدِ غَيْرِهِ وهوَ موثُوقٌ بهِ، مُرَاعٍ لِمَا يَقْرَأُ، أهْلٌ لذلِكَ، فإنْ كانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ ما يُقْرَأُ عليهِ فهوَ كَمَا لَوْ كَانَ أصْلُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، بَلْ أوْلَى لِتَعَاضُدِ ذِهْنَي شَخْصَيْنِ عليهِ، وإنْ كَانَ الشَّيْخُ لاَ يَحْفَظُ ما يُقْرَأُ عليهِ، فهذَا مِمَّا اختَلَفُوا فيهِ: فَرَأَى بعضُ أئِمَّةِ الأُصُولِ (?) أنَّ هَذَا سَمَاعٌ غَيرُ صَحيحٍ، والمخْتَارُ أنَّ ذَلِكَ صَحيحٌ وبهِ عَمِلَ مُعْظَمُ الشُّيوخِ وأهْلِ الحديثِ. وإذا كانَ الأصْلُ بِيَدِ القَارِئِ وهوَ موثُوقٌ بهِ دِيْناً ومَعْرِفَةً، فكذَلِكَ الحكْمُ فيهِ، وأوْلَى بالتَّصْحِيْحِ، وأمَّا إذا كَانَ أصْلُهُ بِيَدِ مَنْ لاَ يُوثَقُ بإمْسَاكِهِ لهُ، ولاَ يُؤْمَنُ إهْمَالُهُ لِمَا يَقْرَأُ، فَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ القَارِئِ أوْ بِيَدِ غَيْرِهِ في أنَّهُ سَمَاعٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ به إذَا كانَ الشَّيخُ غَيرَ حافِظٍ للمَقْرُوءِ عليهِ، واللهُ أعلمُ.