وَوَرَدَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَنْ غَلِطَ فِي حَدِيثٍ وَبُيِّنَ لَهُ غَلَطُهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَأَصَرَّ عَلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ سَقَطَتْ رِوَايَتُهُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَنْهُ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْعِنَادِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَعْرَضَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنِ اعْتِبَارِ مَجْمُوعِ مَا بَيَّنَّا مِنَ الشُّرُوطِ فِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَمَشَايِخِهِ، فَلَمْ يَتَقَيَّدُوا بِهَا فِي رِوَايَاتِهِمْ، لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ عَلَيْهِ مَنْ تَقَدَّمَ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ آلَ آخِرًا إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى خِصِّيصَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْأَسَانِيدِ، وَالْمُحَاذَرَةِ مِنَ انْقِطَاعِ سِلْسِلَتِهَا، فَلْيُعْتَبَرْ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْغَرَضِ عَلَى تَجَرُّدِهِ، وَلْيُكْتَفَ فِي أَهْلِيَّةِ الشَّيْخِ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا، بَالِغًا، عَاقِلًا، غَيْرَ مُتَظَاهِرٍ بِالْفِسْقِ وَالسُّخْفِ، وَفِي ضَبْطِهِ بِوُجُودِ سَمَاعِهِ مُثْبَتًا بِخَطٍّ غَيْرِ مُتَّهَمٍ، وَبِرِوَايَتِهِ مِنْ أَصْلٍ مُوَافِقٍ لِأَصْلِ شَيْخِهِ.