وهنا أمر نريد ذكره، وهو: لماذا ينحرف الأولاد؟ وما هي أسباب انحراف الأولاد ومن ثم انحراف الكبار؟ فحين تجد محامياً خائناً تعرف أنه أثناء دراسته في الجامعة أو المدرسة كان غشاشاً، فنجح بالغش، فتجده محامياً خائناً، وكذلك حين تجد المهندس غير الكفؤ أو الطبيب الجشع.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه فأقول: إن انحراف الكبير جاء من الصغر، فما هي أسباب الانحراف؟ إن أول سبب في انحراف الأولاد: الخلافات بين الزوجين: فإذا كان بينك وبين زوجتك خلاف فأغلق عليها الغرفة، وتحدث أنت وهي حتى تصلا إلى حل، وقد يصل هذا الخلاف إلى طلاق، فتقع الطامة الكبرى، حيث يأتي الأب بزوجة، وربما تزوجت الأم بزوج آخر، فيعيش الولد إما مع امرأة أبيه، وإما مع زوج أمه.
وهنا تثور الثائرة؛ لأننا لسنا مسلمين كما ندعي، ولسنا مؤمنين حقيقة، فالتقوى ليست في قلوبنا بما يرضي الله.
فالكارثة أن زوجة الأب لا تتعامل بما يرضي الله، وزوج الأم لا يتعامل بما يرضي الله، فلو تعاملت معهم زوجة الأب بما يرضي الله لقالت: هؤلاء مثل أولادي، وسأعاملهم معاملة حسنة.
فهنا يجب أن نراجع أنفسنا في مسألة الخلافات، ولا ننسى أن نتعاهد على أنه لا ينام أحدنا وهو غاضب من الآخر.
إن هناك بيوتاً تعاني العجب، فامرأة تحلف وتقول لي: إن زوجي خاصمني منذ سنتين، فهل هذه معيشة؟! وهل هذا بيت؟! وهل هذا سكن؟! وهل تلك مودة؟! إن أكثر ما تستطيع أن تهجر فيه زوجتك هو أربعة أشهر، وفوقها لا يحل لك، فلو كان هناك قضاء إسلامي وذهبت الزوجة إلى القاضي المسلم وأثبتت أنك هجرتها منذ أربعة أشهر فإنه قد يطلقها عليك؛ لأنك زوج غير كفؤ، فكيف يعيش المسلم في هذا النكد المستمر؟! وكيف يخرج لعمله؟! وكيف تعيش الزوجة وكيف تصلي؟! يجب أن تنزل السكينة في بيوت المسلمين، ولن تنزل السكينة إلا إذا كان الزوج والزوجة على طريق الله عز وجل.
فخلافات الأب والأم يجب أن نبتعد بها عن الأبناء، وخلافات الزوج والزوجة لا يصح أن تصل إلى أهلها أو أهله؛ لأن هذه خيانة عند الله، ويجب أن نكتم ذلك في بيتنا، فالبيت لا تخرج منه المشكلة، ولنحل المشاكل ولنواجهها ولا نهرب منها.
قد يكون الزوج غيوراً أكثر من اللازم، والحل هنا مقدور عليه، والكارثة الكبرى أن الزوجة هي التي تكون غيورة أكثر من الزوج، وهنا تقع الطامة الكبرى، فالزوجة حين تكون غيورة توقعها غيرتها في الشك، فالشك يحيل حياتها وحياة زوجها إلى جحيم، فقد صور لنا الإعلام على مدى سبعين سنة من أيام يوسف بيه أن الزواج بالثانية نهاية البيوت.
فالمسلسلات التي تأتي الآن تقنع النساء بأن مجرد تفكير الزوج في زوجة أخرى تقع به الكارثة والطامة التي تحيل البيت إلى نكد، ففهموا المرأة المصرية بأن الزوجة الثانية هي نهاية المطاف، وفَهَّموا الزوجة المصرية بأنها عدوة لضرتها، وصيروا أمر البيوت على طريقة غريبة جداً، فيقولون: إذا كانت البنت قد بلغت عشرين سنة فقد اكتملت شخصيتها، وعليه فهي التي تقول رأيها.
فنزعوا حياءها بعد أن كان عندها حياء، فأين حياء العذارى؟! لقد كان الحديث عن الزواج في مجلس فيه بنت عمرها سبعة عشر عاماً يجعلها تترك الجلسة وتدخل؛ لأنه عيب أن يتكلموا عن الزواج والبنت قاعدة.
وأما اليوم فقد صارت هي التي تفتح هذا الموضوع؛ لأن الحياء ذهب، والحياء من الإيمان، فلو كان هناك إيمان لصار هناك حياء، فاليوم لا حياء عند الكبير ولا عند الصغير، فيجب أن يكون البيت هو المرفأ، فالرجل يرجع من شغله إلى بيته من أجل المشاكل بعد الشغل، فبعدما تنتهي من عملك ارجع إلى بيتك من أجل أن تجد واحة الأمان والراحة.
وبعضهم يقول لك: أنا لا أرجع إلى البيت إلا للنوم مباشرة.
فهل البيت فندق! إن البيت له حقوق عليك، والبيت له حرمات يجب أن نراعيها، وإلا فلن يكون هناك مجتمع مسلم، ولن توجد فائدة من دروس العلم.
وهنا مسألة أحب التنبيه عليها، وهي: أن بعض الناس يقولون: إذا دخل فلان أو فلانة عندنا، فإنهما حين يخرجان تحصل مشاجرة بين الرجل وزوجته.
وهناك شكاو تأتي إلينا بهذا الشكل، والإسلام لا يوجد فيه طيرة، ولا يوجد شيء في الإسلام اسمه: (عيني ترف)، و (يدي تأكلني)، ونحو ذلك.
فما يحدث للعين أمر فسيولوجي طبيعي، فاذهب إلى دكتور العيون، وانظر ما الذي حصل فيها من كثرة النظر، فغض بصرك وهي لن ترف، فما هي علاقة الرف بالمصائب التي تنزل عليك؟ إن المصائب سببها أنك تقي، فالله يريد أن يمتحنك، أو أن أعمالك سيئة فسلط البلاء عليك.
وكذلك حين تأتيك نعمة تراها أنت نعمة، فيمكن أن تكون نقمة، فالمال قد يكون نقمة، والولد قد يكون نقمة، وكذلك الزوجة والبيت والدابة، فالنعمة التي تأتي إليك تقربك من الله هي نعمة، والشيء الذي يأتي إليك فيبعدك عن الله يكون نقمة، فالمال الذي يشغلك عن الله يكون نقمة، وكذلك الولد الذي يشغلك عن الله، والبيت الجديد الذي يشغلك عن الله.
فما يقربك من الله نعمة، وما يبعدك عن الله فهو نقمة، فأول أسباب الانحراف خلافات الزوج والزوجة التي تصل إلى الطلاق.