فإذا دخل الولد المدرسة فعلي أن أرى زملاءه، وهذه مسئوليتك أمام الله، فاذهب وزر المدرسة وانظر من يجلس بجانبه، فاعرف أباه، فلعله من أصحاب المخدرات، وقد يكون أبوه ساباً للدين والعياذ بالله، وقد يكون هو ابن فنانة، وقد تقول: والولد ما ذنبه؟! أقول: الولد يكتسب ممن هم حوله، فلقد ذهبت إلى إحدى مدارس اللغات، وبينما كنت في المحاضرة سألني تلميذ في ثالث ابتدائي عمره تسع سنين، فقال لي: البيرة حلال أم حرام؟ فقلت: البيرة هذه أتعرف شكلها؟! قال: نعم.
فقلت له: هي حرام، فقال: من الذي قال؟ فقلت له: الدين.
فقال: هات لي نصاً! فالولد يسألني عن البيرة وعن النص، فما هو الذي جعل الولد تأتي في عقله مسألة البيرة غير أنه رآها في التلفزيون أو في وسائل الإعلام المنحرفة أو رآها في بيته أو رآها في الشارع.
فنحن نضيع أبناءنا دون أن ندرك، فالمرأة تقول لابنها الذي دخل في أول ابتدائي: انتبه -يا حمادة- أن يعطيك أحد وردة تشمها.
وهي بذلك تكني عن المقصود، وإذا بالولد يقول: تقصدين الهروين والكوكايين؟ فقالت له: نعم، فقال لها: لا، هذا في الثانوي، وأما منهجنا فمنهج السجائر.
فهذه كارثة؛ لأن هذا هو نتاج المجتمع الذي نحيا فيه.
إن الأوروبيين يقولون لنا: ما هي حكاية رجم الزاني؟! إنها عملية وحشية جداً.
فنقول لهم: إنكم تنظرون إلى آخر المسألة لا إلى أولها، فالإسلام يفرض على أتابعه أن يكون المجتمع كله صالحاً، فيكبر الولد في مجتمع ليس فيه مخدرات ولا خمر ولا دور سينما ولا ملاه ولا سرقات، والحدود فيه تقام، والنساء في الشوارع إما منقبات أو مخمرات، فلا أحد يرى عورات النساء في المجلات.
ثم إن الإسلام يحتم على الدولة أن تعين من بيت المال الشاب الفقير الذي لا يستطيع الزواج، فتزوجه وتوجد له سكناً وعملاً.
فالإسلام يوجد له مجتمعاً جيداً، وعملاً، ويقيه من الانحراف ومن الانحلال ومن الحرام، وييسر أمر زواجه، فبعد هذا كله لو انحرف وزنى فإنه يصنع شيئاً لا يليق به.
إذاً: لا ننظر إلى القضية من آخرها، وإنما ننظر إلى أولها.
كما يعيبون علينا -أيضاً- بأن المرأة في الإسلام مظلومة في قضية الميراث، ونقول: لا تنظروا إلى المسألة من آخرها، بل انظروا إليها من أولها، فالرجل إذا أراد الزواج فإنه يجهز البيت، ويأتي من الأثاث بما يقدر عليه، ويقدم المهر للزوجة، وبعد هذا كله تأتي الزوجة معززة مكرمة، فتقعد في البيت، وفي فترة الحياة الزوجية كلها ينفق عليها؛ لأن القوامة للرجل.
فالأب إذا ترك مبلغاً من المال قدره ثلاثون ألف جنيه مثلاً، وكان له ولد وبنت، فإن الولد يأخذ عشرين والبنت تأخذ عشرة، فالولد إذا أراد الزواج كلف بما سبق ذكره، فيذهب ما ورثه، وأما البنت فتأخذ عشرة آلاف وهي غير مكلفة بقرش ولا بعشرة، كما أنها تأخذ المهر، وقد يكون ثلاثة أو أربعة آلاف، فيصير بيدها مال كثير، فلا تنظر إلى النتائج من آخرها، فالنتائج مبنية على مقدمات.
قلنا: إن الصبي إذا دخل المدرسة فلا بد من معرفة أصحابه، وكذلك البنت حين تدخل الجامعة، وإن من العجيب أن يقال: هذا بيت محافظ، ويعني بذلك أن البنت لا يأتي إليها زملاؤها في البيت، ولكن ليس عيباً أن تذهب إلى زميلها إلى بيت أهله، فحين تجري الدياثة في دماء المسلمين ماذا تقول عن الإسلام، وماذا تقول عن الرجولة والشهامة، فكيف تذهب البنت إلى الجامعة من أجل أن تكلم زميلها؟! فلتكلم زميلتها.
إن البيت المسلم هو الذي يتكون منه الوطن المسلم والأمة المسلمة، فلو ربينا أولادنا على المثل، وعلى تاريخ الصحابة، وكيف كانوا يعيشون خلف رسول الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت بيوتهم، لصلحت أحوالنا جميعاً.
لقد كان مجتمع الصحابة يمثل البنوة الصالحة، فسيدنا أنس بن مالك ذهبت أمه تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: إنه لا يرضى أن يأكل معي يا رسول الله، فقال له: لماذا يا أنس؟ قال: أخاف أن تمتد يدي إلى جزء في الصحفة وقعت عليه عين أمي، فأكون عاقاً لها.
وكان أبو هريرة حين يخرج من البيت يسلم على أمه وهو ماشٍ، فيقول: السلام عليك يا أماه، رحمك الله كما ربيتني صغيراً.
وحين يرجع يقول كذلك، فترد أمه عليه بقولها: وعليك السلام يا أبا هريرة، رحمك الله كما بررتني كبيراً.
ولم يكونوا كحالتنا اليوم، حيث تعتب المرأة على زوجها من لحظة زواجه لتحطم نفسيته وتدفعه بكلامها إلى أن يكره زوجته، فتقول: يا بني! إن البؤس دخل إليك من ساعة زواجك بهذه.
والأصل أن تقول: يا ابني! اصبر عليها، فقد يكون لها ظروف خاصة، أو حالة مرض.
ويجب على الزوج أن يغض طرفه عن بعض عيوب زوجته؛ لأننا لسنا ملائكة نحن ولا زوجاتنا.