إن الصبي إذا بلغ خمس سنين فإننا دائماً نقول: الحمد لله على أن أولادنا من الذكاء بمكان، فإنهم حين يرون إعلاناً في التلفزيون يحفظونه، والواجب على الآباء ألا يُشغلوا عن الأولاد بمسألة الرزق، فلا بد من رعاية الولد ولا تتركه للبطالة وأسباب الانحراف والمخدرات والفشل في الدراسة وفي الجامعات وفي المعاهد.
ويجب علينا أن نتدارس ذلك من الآن من أجل أن نغرس في أبنائنا القواعد والمثل من كتاب الله ومن شرع حبيبنا صلى الله عليه وسلم.
فالولد إذا بلغ أربع أو خمس سنين وبدأت كلماته تظهر واضحة، فإنني آتي له بالذي يحفظه القرآن، وهذه مسألة مهمة.
والأب غالباً لا يجيد تعليم ولده، حتى إنك تجد المدرس المتخصص في مادة معينة يأتي لابنه بمدرس، فتقول له: أنت الكيمياء كلها وتأتي لابنك بمدرس الكيمياء، فالأب بطبيعته يكون عصبياً على ابنه يريد أن يشربه العلم بسرعة، فالعصبية هذه لا تنفع.
لقد حلف لي أحدهم بالله على أنه قال لآخر: يا فلان! صوتك دائماً منخفض، ألا تعلي صوتك قليلاً؟! فقال له: أنا نشأت في بيت كان من عادة أهله أن الأب أو الأم أو الإخوان إذا تعلم أحدهم نطلب منه أن يعيد الكلام مرة أخرى؛ لأن الصوت منخفض.
فانظر إلى هذا الرفق في البيت، فالإسلام يريد أن يكون الإنسان رقيقاً في بيته.
ولذلك يروى أن سيدنا عمر جاءه رجل وقال له: أريد أن توليني ولاية.
فقال له: مر علي غداً.
فـ عمر يريد أن يمتحن الرجل ليعلم أيصلح لذلك أم لا، وعمر خبير في علم النفس، فقال للخادم: أدخله مباشرة.
فجاء الرجل وطرق باب أمير المؤمنين، فأدخله الخادم، فوجد الرجل منظراً غريباً، لقد رأى أمير المؤمنين الذي يخاف منه العالم كله يحبو على يديه ورجليه وقد أركب على ظهره بعض ولده، وكأنه قطار أو سيارة، فهذا هو عمر بن الخطاب صاحب مقولة: (إذا كنت في أهلك فكن صبياً، وإذا كنت بين إخوانك فكن رجلاً) يعني: اضحك مع امرأتك، واضحك مع أولادك وانبسط معهم، وإذا كان تبسمك في وجه أخيك صدقة فما بالك به في وجه زوجتك؟! إن كثيراً من الناس لا يضحكون إلا أمام الغريب وفي المكاتب، فالأستاذ فلان في مكتبه لطيف، وحين يرجع بيته تقول زوجته: عياذاً بالله رب العالمين، فأنا أريدك أن تنبسط في بيتك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته.
فلما رأى الرجل ذلك وقف مستغرباً، فنظر سيدنا عمر إلى الرجل وقال له: ما لك يا أخا الإسلام؟! فماذا تصنع مع أهلك؟ فقال له: أنا إن دخلت بيتي فر الواقف واستيقظ النائم ووقف الجالس.
فقال: من لا يرحم لا يُرحم، فإذا كنت هكذا مع أبنائك، فكيف تكون مع أبناء المسلمين؟! لا حاجة لنا في ولايتك.