وإن أردت أن يحبك الناس فازهد بما في أيديهم، يقول سيدنا علي: أنفق على من شئت تكن أميره، واستغن عن من شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
والمسلم لا يستغني أبداً عن الله، فيستغني عن أي شيء لكن لا يترك الصلاة، ولا يترك قيام الليل، ولا الأخلاق الحميدة.
إذاً: فالمسلم في الدنيا يزهد مما في أيدي الناس، وما دام أنه زهد بالذي عند الناس، فإنهم سيحبونه، لكن لو طلب منهم ما في أيديهم فإنه سيثقل عليهم، والناس لا يريدون النظر إلى خلقته، فأول ما ينظر إليه يكشر، والأغنياء يوم القيامة مالهم سوف يصفح صفائح من نار، وتكوى بها ثلاثة أماكن: الجباه والجُنوب والظهور، قال تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة:35].
فالغني أول ما يأتيه يكشر في وجهه ويعطيه جنبه ثم ظهره، لكن لو جاء إليه المحافظ: أهلاً يا سعادة الباشا، ولا يعطيه جنبه، ولا ظهره، فالله تعالى عاقبه في هذه الثلاثة الأماكن، في الجبهة التي كانت تنقبض في وجه الفقير، وكذا الجنب الذي كنت تعطيه الفقير كذلك، ثم الظهر الذي أعطيته المسكين.
إذاً: فالمسلم لا يتكبر على أحد، ثم هو في الدنيا غريب، سابح ضد التيار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاء هذا الدين غريباً وسوف يمضي كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء الذين يستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).
اللهم اجعلنا من أهل الغربة يا أرحم الراحمين، وانصرنا على من عادانا، وقو عقيدتنا، وألهمنا صوابنا، وتوفنا على الإسلام، يا أكرم الأكرمين.