فعند أن أقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، أتأمل معناها، وأنها تعني: الحمد لك يا رب! وقلنا: هو رب العالمين، لا رب المسلمين فحسب أو رب النصارى، أو اليهود، أو الأمريكان فقط، فحينها يتقي رب العالمين، وكل ما سوى الله عالم، فهو إذاً رب الملكوت كله.
إذاً: فلما أقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] أفكر في الحمد، ومعناه: أني أثني عليه سبحانه لكونه رب العالمين كلهم.
ثم أمجده فأقرأ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]، وكلمة (الرحمن) أعم وأشمل من (الرحيم)؛ ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة)؛ لأن في الدنيا يرحم ربنا المؤمن والكافر، يرحم الكافر بأن يسهل له أن يعمل خيراً، ينتفع به الناس ويجازيه عليه في الدنيا، فتراه في تقدم وحضارة، وربح، وهواء نظيف، وكل هذا من أجل أن يموت وقد أخذ حقه كاملاً، وليس له في الآخرة إلا النار.
أما المسلم فيجازى على عمل الخير دنيا وآخرة، لكن ربنا يسلب الدنيا عن المؤمن أحياناً، كما يمنع أهل المريض بعض أنواع الطعام عن مريضهم؛ لمصلحته وعافيته، ولله المثل الأعلى، فهو كذلك يمنع المال أحياناً عن المؤمن من أجل ألا يطغى، وأنت لا تدري بحالك عند حيازته، ولذلك سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه كان لا يملك شيئاً، فكان يقعد للرسول في الباب ليل نهار، ويسمع من الرسول ويأخذ منه ويتعلم، وليس معنى هذا أنه انقطع للعبادة، لكن نحن دائماً نضحك على أنفسنا، فنقول: ساعة لربك وساعة لقلبك، ثم اكتشفنا أننا نضحك بهذه الكلمة أيضاً على أرواحنا، فلا توجد لا ساعة ولا دقيقة لربك.
وهذه الخمس الصلوات التي في اليوم كم تأخذ منك؟ أطول صلاة تأخذ منك عشر دقائق، أو ربع ساعة ولو جعلناها ربع ساعة، وقرأنا فيها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]، لقال أناس: هذا تطويل، والرجل يطول على المصلين، هناك رجل أول مرة يصلي التراويح في رمضان، فقرأ الإمام قوله تعالى: (مداهمتان) فاغتاظ الرجل وقال: وأيضاً مداهمتان مش مداهمة واحدة؟ والثاني قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] ولما قالوا: آمين، قرأ: (طه)، وكبر وركع، سبحان الله! ما هذه العجلة العجيبة؟! مع أن أكثر صلاة تصليها تأخذ منك عشر دقائق، ولو جمعت الصلوات كلها فإنها لا تستغرق ساعة واحدة، وبقيت معك ثلاث وعشرون ساعة أين تذهب؟! فينبغي الإخلاص في العبادة، لا في الأكل والشرب ونحوهما من متاع الدنيا، بل المسلم إذا أراد أن يحبه الله يزهد في الدنيا كما كان صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم.