ثم قال: (وازهدوا فيما أنتم عنه راحلون): أي: نزهد في الدنيا التي نحن سنرحل فيها، قال رجل لأحد الصالحين: أين العمران يا شيخ؟ أوصلني يا أخي إلى العمران، قال له: تعال ورائي، فظل يمشي وراءه حتى وصل إلى المقابر، قال: يا أخي أقول لك العمران وتحضرني إلى هذا المكان؟ قال: يا هذا، هاهنا العمار، وهناك الخراب، كل الذين هناك يأتون إلى هنا ولا أحد من هنا يعود إلى هناك، يقول له: كل المناظر التي تراها من العمارات وناطحات السحاب كل من يسكنها لابد أن يأتي إلى هنا، فهل هناك شخص لا يأتي إلى هنا؟! كلهم سيموتون.
وجاء في سنن الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: يقال للمؤمن: أتريد أن تعود إلى الدنيا؟ فيقول: ألدار الهموم والأحزان ترجعاني؟ قدماني إلى ربي.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأبأس أهل الدنيا فيصبغ في الجنة صبغة فيخرج كالبدر ليلة التمام، فيقال: عبدي! هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك أني في النعيم منذ أن خلقتني! ويؤتى بأنعم أهل الأرض ممن لم يذكر الله ربه، فيصبغ في النار صبغة، فيخرج كالفحمة، فيقال: عبدي! هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك أني في الشقاء منذ أن خلقتني)، يعني: غمسة في الجنة أنست المعذبين عذابهم في الأرض؛ وغمسة في النار أنست أهل العز عزهم الذي كانوا فيه.