قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من الشجر لشجرة كالرجل المؤمن، خبروني ما هي؟).
فالمؤمن مثل شجرة من الأشجار كلها منافع، فقال عبد الله بن عمر وكان عمره سبع عشرة سنة: (فنظرت إلى وجه أبي -أي: هو عمر بن الخطاب - وإلى وجه أبي بكر فوجدتهما صامتين، فخطر ببالي أنها النخلة، ولكني رأيت الشيخين وقد هابا رسول الله فكيف لا أهابه أنا قال: فسكت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هي النخلة)، وكاد أن يقولها عبد الله بن عمر، ولو قالها لفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس كالمدرس في هذه الأيام، فلا تراه إلا وهو يقول لطالبه إذا أجاب: لن تفلح أو كذا، نسأل الله أن يهدي المدرسين والمدرسات الأحياء منهم والأموات، لأن الميت من مات قلبه، قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيباً كاسفاً باله قليل الرجاء فمن صفات العالم أن يرق حاله بالمسلمين، وأن يعاملهم كما يعامل أبناءه، فيكون طليق الوجه، لا يصرخ في وجه أحد بل يكون مؤدباً معهم وحنوناً وقدوة.
إن صفات المريد بإيجاز قال فيها أهل العلم: أن يصير المريد بيد شيخه كالميت في يد المغسل يطيعه ويجله ويحترمه ويحبه في الله، وقد قلت سابقاً: إن الإمام الذي لا ترتاح له لا تصلِّ خلفه؛ لأنك تصلي وراءه وأنت تغتابه، والغيبة حرام، فما بالك عندما تكون الغيبة في الصلاة؟ فالغيبة في الصلاة أشد وأنكى.
إذا وافقت أخلاق العالم أخلاق المتعلمين بارك الله في مجلس العلم، وهكذا التقى المعلمون والمتعلمون في هذا المجلس لمرضاة الله عز وجل، ولم يأتوا ليروا فلاناً ويسلموا على فلان ومشتاقين لفلان، وإنما أتوا لابتغاء مرضاة الله، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:18].
ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أكاد أهم عذاباً بأهل الأرض فأنظر إلى المتزاورين في، وإلى المتحابين في، وإلى المتجالسين في، وإلى عمار بيتي فأرفع عذابي عن أهل الأرض).
(ما من عبد يتطهر في بيته ويتوجه إلى بيت من بيوت الله إلا تبشبش الله في وجهه كما يتبشبش أهل الغريب عندما يعود إليهم غريبهم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع).
فنحن نريد النوايا أن تتغير، والنيات أن تكون صادقة، فلو كشف عنا الحجاب لرأينا الملائكة تحيط بمجلسنا، فإن لله ملائكة سياحين في الأرض يبتغون مجالس العلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة تتعاقب فيكم بالليل والنهار) فمع غروب الشمس ساعة درس العشاء تنتظر ملائكة النهار وملائكة الليل وتحضر مجالس العلم، فيصعدون إلى ربهم ويشهدون لمن حضر مجلس العلم أنه قد حضر، (فيقول الله: وأشهدكم أني قد غفرت لهم).
ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون:9].
فالأزواج والأولاد أعداء لنا؛ لأنهم يلهوننا عن ذكر الله، فيكون الرجل مثل النحلة ينام بالليل متعباً، ويصبح الصبح ليبحث عن رزقه، وعندما تطأ أقدامي أي بلد أوربي أنظر إلى الناس وهم ذاهبون إلى العمل في الصباح ويعودون وهم منهكو القوى كل يوم، فلا أرى إلا حيوانات سائمة.
فترى الأم تأتي بكلب، والأب يأتي بكلب، ويقعد الصديق مع صديقه الكلب ويكتب ثروته كلها للكلب، لكن المسلمين إذا عجز الطب عندهم ربط المريض أملاً بينه وبين ربه، فتراه يتوضأ ويصلي لله ويقول: يا رب! الأمل عندك، فيقول الله له: وأنا سوف أعطيك الشفاء من عندي.
إذاً: سبب عدم وجود الأمراض النفسية هو الصلة بالله عز وجل، وإني أشكركم لأنكم استقبلتموني، فلست أنا صاحب فضل، بل أنتم أصحاب فضل علي؛ لأنكم تتركون أنفسكم لي لأزرع فيكم خيراً، فمن أفضل الناس من ترك نفسه لك لتزرع فيها خيراً، ومن أسوأ الناس من ترك إليك لتزرع فيها شراً، فأنتم أحب الناس إلى قلبي؛ لأنكم تتصدقون علي بنفوسكم كي أزرع فيها خيراً إن شاء الله.
اللهم اجعلنا من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
إنك أيها المسلم! في يوم الجمعة تكون نشيطاً، فإذا ذهبت للعمل يوم السبت قل نشاطك، وفي يوم الأحد قل نشاطك أكثر، وفي يوم الإثنين بعد العصر تكون قلقاً وهكذا ضاع كل نشاطك، لماذا؟ لأن أهل العلم قاسوها وقالوا: إن القلب الذي يمتنع عن مجلس علم كل ثلاثة أيام يبتلى بالسقم ومرض البعد عن الله عز وجل، فلا تكفي جلسة علم من الجمعة إلى الجمعة، فلابد أن يكون هناك جلسة علم في وسط الأسبوع على الأقل، فحاول أن ترتب أمورك على أن يبقى لك درس علم عند أي عالم تثق به، ليس بمبتدع ولا مزيف، وإنما يقول: قال الله قال الرسول، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لابنه الحسن: زاحم العلماء بالمناكب، فإن رحمة الله لا تفارقهم لحظة.
فلا تفرط في جلسات العلم أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن القلب تعتريه حالات فتقل الشحنة فيه ويقل الإيمان.