إن الداء كله في التكذيب بما جاء في الكتاب والسنة، وأقول دائماً: إن أمر الزواج وطريقة إتمامه ينقسم إلى شيئين: الدين، والعرف، فالناس يأخذون من الدين ما يعجبهم، وما دام الدين في مصلحتهم يطبقونه، وإن لم يكن الدين في مصلحتهم لا يطبقونه، بل يطبقون العرف، وهذا من المسلم ليس بجيد، فنحن نريد مسلماً صادقاً مع نفسه.
يقول: أنا سوف أتزوج بالدين، فإذا عارضته خطوة من خطوات الزواج ليست لها نص في الكتاب ولا في السنة لا يطبقها، لكن نحن نأخذ من الدين الذي يعجبنا ونرفض الشيء الذي لا يعجبنا أو الشيء الذي ليس في مصلحتنا، وهكذا المسلم المزيف، ونحن نريد مسلماً حقيقياً إذا أراد أن يقول فقوله من كتاب الله، وإذا أراد أن يفعل ففعله من كتاب الله، وإذا أراد أن يتحرك فحركته كلها من الكتاب والسنة المطهرة.
وقد درست بيوت الصحابة على مر السنين، ولربما عشت سنوات طويلة في بيوت الصحابة أدرسها، وقد أكرمني الله سبحانه لما نزلت إلى مكة أو المدينة، وتلمست الكتب المفصلة في التاريخ لبيوت الصحابة وتواريخهم، وتعايشت مع أساتذة التاريخ وعلمائه، وخرجت بحقيقة لم تكن غريبة علي، وقد أكدتها لي الأحداث والسير: أن بيوت الصحابة كان عنوان كل بيت منها كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد في بيت من بيوت الصحابة مشكلة يومية كما هو مألوف لدينا، وقد كان الصحابي تأتي إليه زوجته وتقول له: يا أبا فلان! ألك اليوم حاجة؟ فإن كان قضى حاجته، وإن لم يكن قالت له: هل تأذن لي أن أقوم لربي الليلة؟ فبيت بهذا الشكل لا يتوقع وجود الشر فيه.
فالرجل يذهب ليصلي الفجر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتجه بعد صلاة الفجر إلى عمله، فإن كان فلاحاً أخذ الفأس، وإن كان نجاراً أخذ أدوات النجارة وهكذا، وقد كان نساء الصحابة على شاكلة واحدة، إذ كانت المرأة تقول لزوجها: أبا فلان! أستحلفك بالله ألا تدخل علينا حراماً؛ فإننا نصبر على حر الجوع ولكن لا نصبر على حر جهنم يوم القيامة.
لا بد أن خللاً ما يحدث في البيوت حتى تكون نتيجته هذه الهزة التي حدثت بين الزوج والزوجة في هذا العصر الحديث، ذهبت مرة إلى إحدى المراكز المتخصصة فسألت: هل عندكم إحصائية؟ قالوا: في ماذا؟ قلت: أريد أن أطرح سؤالاً على الزوج المصري المسلم والزوجة المصرية المسلمة بعد مرور سنوات، وهو: لو عادت بك الحياة مرة أخرى أتتزوج فلانة هذه امرأتك؟ وأنت يا فلانة! لو رجعت بك الحياة مرة أخرى وجاء هذا الزوج وطرق بابك هل ستقبلين به؟ فقيل لي: هذا سؤال غريب، وبحث غريب جداً، وعلى كل سوف نجري البحث في ذلك، فأجروا البحث في خلال أربعة أشهر، وكنت على اتصال دائم معهم، وكانوا يقولون: يا شيخ! لا تتعجل الأمور هذا بحث اجتماعي، فذهبوا وسألوا وشكلوا بحثاً عشوائياً من مناطق شتى من القاهرة الكبرى، والقاهرة الكبرى تمثل مصر، ومصر تمثل العالم الإسلامي، فهي شريحة من شرائح المسلمين في العصر الحديث، فوصلت النتيجة لكن ما كنت أتوقع أنها بهذه الكآبة، إذ إن النتيجة تقول: ستون بالمائة من الأزواج والزوجات يرفضون تماماً أن تعاد الحياة، يعني: لو جاء الزوج يطرق الباب ليراجع زوجته سوف يطردونه.
وتسعة وعشرون بالمائة يعاودون التفكير في ذلك ويضعون شروطاً، فالزوجة تشترط أنه لا يتزوج عليها، وتشترط أنها تزور أمها يوماً بيوم، وهكذا تشترط شروطاً معينة.
والنسبة الباقية هن اللاتي فوق الستين سنة.
فلا بد أن خللاً ما حدث في البيت المسلم، وهذا الخلل غير طبيعي حصل في بيوت المسلمين حتى وصل المسلمون إلى هذه الحالة؛ لأننا نأخذ من الدين ما يعجبنا وندع ما لا يعجبنا.