وممن جسدوا هذا المعنى الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، بينما كان يلعب مع الصبية، قد بلغ السابعة من عمره، مر عمر بن الخطاب وكانت له هيبة، من رآه هابه حتى إن سيدنا عمر كان يمشي مع الصحابة فحانت له التفاته -أي: نظر فجأة- فوقع الصحابة على الأرض من هيبته، وكان عمر طويلاً، فكان وهو يسير على الأرض رأسه برأس الراكب، على الفرس -وقد استغل هذا الطول وهذا الجسد في نشر الدين- فكيف بالإيتكيت من أولادنا في هذا الزمان الذين إذا رأوا شاباً طويلاً رشح للعب السلة، فهو حري أن يقال له: لا أفلحت أنت ولا الذين ربوك، ألم تفلح إلا في هذا الموضوع؟ عودة إلى سيدنا عمر وموقفه مع ابن الزبير، فإنه لما مر عمر فر الصبية ما عدا عبد الله بن الزبير، فانحنى عمر إليه وقال له: ما الذي أوقفك مكانك ولم تجر مع إخوانك؟ فرد عليه رداً لطيفاً، وقال: لست مذنباً حتى أخاف منك وليست الطريق ضيقة حتى أوسعها لك.
قال له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن الزبير! ولا عجب من هذا الثبات فأبوه الزبير بن العوام وأمه أسماء بنت أبي بكر، وأنعم بهما من أبوين تقيين ورعين مؤمنين.
وهنا تنبيه أن من أعظم أسباب فساد الأبناء هو فساد دخل الآباء، فالأب حين يكون كسبه من الاختلاسات والرشاوي يأتي الابن عاقاً لوالديه، وقد يتجرأ والعياذ بالله على ضرب والديه إذا نصحاه أو أرشداه بما يخالف هواه.