يذكر أن راعي غنم أتى تحت شجرة فرأى شبلاً، فتلفت يمنة ويسرة فلم ير أباه ولا أمه، فأخذ الشبل ورباه وسط القطيع، فشب الأسد الصغير، وأخذ يتصرف على أنه خروف أو نعجة من القطيع يأكل الحشائش والزرع وييعر ويفعل ما تفعله النعاج، فلما كبر هجم على القطيع أسد آخر، ففر كل القطيع إلا الأسد الصغير فقد ترك كل القطيع وركض وراء الأسد الآخر، فوقف ذلك الأسد الآخر، وقال له: لماذا تطاردني؟ قال: لأنك أذعرتنا معشر الخرفان، قال له: إنك مثلي، قال له: لا، أنت أسد وأنا خروف، قال له: لا، من الذي قال لك هذا تعال، وعلى صفحة البئر قال له: انظر إلى الماء، فقال: ما هذا، قال له: هذه صورتك، قال له: والذي بجانبها؟ قال له: صورتي، قال له: لي صورتان، قال: بل أنت أسد ولك صوت حقيقي بداخلك أنا سأزأر، فزأر الأسد فزأر مثله، تفرق القطيع في كل مكان، فقال له: ارجع إلى أصلك! فالمسلمون هم هذا الشبل الصغير الذي تربى وسط الأغنام ونسي أصله ونسي حضارته ونسي تاريخه ونسي عمر بن الخطاب ونسي خالد بن الوليد ونسي ربعي بن عامر حيث بعثه سيدنا سعد إلى كسرى ليوصل له الرسالة التي جاءوا من أجلها، فجاء ربعي ودخل على كسرى، فاتجه إليه القادة من أجل أن يرعبوه، لكن سيدنا ربعي بن عامر دخل غير آبه بهم، أتى إلى كرسي كسرى أو سريره وربط فرسه وجلس بجانبه، فصرخ به الحاشية -فلكل شخص من الحكام حاشية- وقالوا له: انزل، قال: لا، فقال كسرى: اتركوه، ثم قال بلهجة وغلظة المتكبرين: يا أعرابي! سأعطي كل واحد منكم عشرة دنانير وتعودون إلى الصحراء التي جئتم منها، فإني أعلم أنه ما جاء بكم من الصحراء إلا الجوع؟ قال: يا هذا! -لم يقل يا ملك ولا يا جلالة الملك ولا يا فلان- إن الله عز وجل ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وجئنا لنخرج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
أيها الملك! بيننا وبينك أمور ثلاثة: إما أن تدخل في دين الله، وإما أن تدفع الجزية صاغراً، وإما السيف.
وهنا سؤال يفرض نفسه: ماذا كان يملك ربعي بن عامر وهو يكلم كسرى؟ لم يكن يملك ما يزعمه البعض اليوم ضرورة للكلام مع الزعماء من رأس مال أو غيره، فقد تكلم مع أعظم شخص في العالم في ذاك الزمان وهو كسرى وهو لا يملك إلا الإيمان بالله، ومادام أنه يملك الإيمان بالله فلن يطأطئ الرأس إلا لله.