فمن أجل أن تدخل على الله عز وجل لابد من الافتقار، والتذلل إلى الله، فيكون حالك وأنت تدعو حال افتقار، فإذا قمت في الليل وتوضأت وصليت ركعتين ثم دعوت: يا رب! اهدني، وفقني، ثبت لي الإيمان، حفظني القرآن، حبب إلي كذا، قد يستجاب لك؛ لأن الله جل في علاه في كل ليلة ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله فيتودد إلى عباده.
قال أهل العلم: ليس العجيب من فقير يتودد إلى غني، ولكن الأعجب من غني يتودد إلى فقير، وليس العجيب أن يتقرب الضعيف إلى القوي، ولكن الأعجب أن يتودد القوي إلى الضعيف! واعلم أخي أنه إذا كانت فيك ظلمة من المعاصي فإن من أسماء الله النور، وإذا كان عندك فقر فإن من أسماء الله الغني، وإذا كان عندك عصيان فمن أسماء الله التواب، وإذا كان عندك انحراف وتوهان فإن من أسماء الله الهادي، فإن كان عندك ذل من الناس والناس يزعجونك ويذهبون بك إلى المحاكم وغيرها، فإن من أسماء الله المعز، فمن التجأ إلى الله فقد التجأ إلى ركن ركين، قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58].
فطالما أنك طرقت بابه فستلقاه مفتوحاً مادامت السماوات والأرض، فإذا قلت: يا رب! يقول: لبيك يا عبد، فإذا قلت: أعطني، فلن يحيلك إلى أحد بل هو الذي يعطيك؛ لأن خزائنه لا تفند.
جاءني قبل سنوات شخص يقول: يا سيدنا الشيخ أنقذني، فقلت له: ما شأنك، قال: صدر في حقي قرار إزالة -إخلاء إداري- وأنا مسكين وحالتي متعبة ولا أملك شيئاً، وعندي خمسة من الأولاد وأمهم وأمي، ويريدون أن يعطونا خيمة وراء المحافظة، فقلت له: قل يا رب! فإن الله عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر:21]، فانصرف الرجل من عندي وهو يردد: يا رب! يا رب! فإذا به يتصل بي بعد أيام بأن الله قد استجاب دعاءه وفرج همه وعوضه خيراً مما كان معه.
ولذا ينبغي على المسلم أن يطرق باب الله، والله عنده ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ لأن القضية عنده لا تحد بحد، والمشكلة أننا كبشر نريد تخطيطاً وتنظيماً وظهوراً بأسباب ومسببات والاستعانة بالغير، غافلين عن أن الله عز وجل هو المعين سبحانه، ونحن نقرأ كل يوم في الصلاة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].