الفرع الثاني من الشرط الخامس: أن تدعو وأنت موقن بالإجابة: قال سيدنا الحسن رضي الله عنه: أنا عندما أدعو أرى من الله الإجابة.
ومن مستجابي الدعوة سيدنا سعد رضي الله عنه، فقد استجاب الله له في شخص ظلمه، ووصفه بما ليس فيه، فدعا عليه وقال: اللهم إن كان هذا كاذباً فأرني فيه شيئاً، فتخرج ناقة شاردة نادة فتجري كأنما تبحث عن أحد فتأخذ الرجل بين قدميها حتى تهلكه.
هذا مع ما كان عليه الصحابة من العفو والتسامح فقد كانوا إذا ظلم أحدهم يقول: اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي، وإن كاذباً فاغفر له، وهذه درجة عالية، من السماحة نعجز عنها، بل لو نظر أحدنا إلى أخيه نظرة فقط، لسمع من العبارات النادة، والألفاظ الكريهة ما الله به عليم.
ومما يجلي سماحة الصحابة وعفوهم وحلمهم ما حدث لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما سرقت أمواله فما كان منه إلا أن قال: أنا أدعو وأنتم أمنوا، قالوا: قل يا ابن مسعود قال: اللهم إن كنت تعلم أن الذي سرق نقودي محتاجاً إليها فبارك له يا رب فيها، وإن كان غير محتاج إليها فاجعله آخر ذنب يرتكبه يا أرحم الرحمين! ولا عجب فهذا نهج الدعاة والمصلحين، فهذا حبيب النجار المذكور في قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس:20]، إذ أخذ يدعو قومه ويستعطفهم: يا قوم يا قوم يا قوم فلم يسمعوا له، بل بطحوه أرضاً ووقفوا على بطنه حتى خرجت أمعاءه من دبره فمات، فعندما مات قال الله عز وجل عنه: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26]، فعندما مات ودخل الجنة هل دعا على قومه؟ وهل قال: أنا وبعدي الطوفان؟ إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر وهل قال: إذا مت عطشان فلا أريد أن ينزل الماء على أحد بعدي؟ فيا أخي ادع للناس بالخير.
فـ حبيب النجار عندما دخل الجنة أول شيء قال: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:27]، فقال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله حبيباً النجار وعظ أهله حياً وتمنى لهم الخير ميتاً).
ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (عيشوا مع الناس معيشة إن غبتم حنوا إليكم، وإن متم ترحموا عليكم)، اللهم اجعلنا من هؤلاء، إن هناك أناساً إذا غابوا فإن الناس تحن إليهم، وعندما يموتون فإن الناس تترحم عليهم، وهناك أناس تحل السعادة إذا غادروا المكان، لا تحل السعادة معهم.