الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: تحدثنا في الحلقة السابقة وقلنا: لم اختار الله سبحانه بفضله العرب ليبعث فيهم أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم؟ وذكرنا أنهم لم يتصفوا بصفات شاعت بين الفرس وبين الروم، وإنما هم أناس أميون بسطاء فيهم أخلاق طيبة؛ لأنه لو كان العرب متعلمين مثل الفرس أو مثل الروم، لادعى مدع وقال: هذا تطور علمي، لكن جاء هذا الرسول بهذا الدين في أمة أمية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة:2] ومعجزته أيضاً أنه كان أمياً صلى الله عليه وسلم، لكنه الأمي الذي علمه الله، فما بالك بإنسان علمه رب العباد سبحانه! فالسيرة النبوية العطرة لها فوائد جمة كثيرة.
أول فائدة: أننا نعيش في رحاب رسول الله، نعيش معه في بيته، وفي حربه، وفي غزواته، وفي سماحته، وفي حلمه، وفي خلقه، وفي غضبه، وهو فقير، وهو غني، نعيش معه وهو أب، وهو زوج، وهو عارف، وهو متعلم، يجلس أمام جبريل ليتعلم منه ليعلمنا كيف التواضع صلى الله عليه وسلم.
والله عز وجل قد وصفه بأجل وصف وأعظم وصف: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وكفى بها كلمة، ليس بعد كلام الله كلام، عندما يقول الله عز وجل عن شخص: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) فليس لأحد أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الفائدة الأولى: أن نقترب ممن نسير خلفه.
الفائدة الثانية: المشاكل التي تواجهنا في الحياة: والحياة صارت لنا كلها مشاكل لسبب واحد ألا وهو: بعدنا عن الله عز وجل، وبافترائنا على أنفسنا أو على غيرنا، وأننا على صواب والباقي على خطأ، وهذه كارثة، كل واحد منا واضع في ذهنه أنه على الصواب، بدليل أن إخواننا الذين يجلسون على المقاهي وفي النوادي يعتبرون أصحاب المساجد ومرتاديها خائبين، مع أن البعيد عن رحمة الله هو الخائب الحقيقي، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10]، وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] اللهم اجعلنا منهم يا رب.
إذاً: المؤمن الذي عرف طريق الله هو المفلح، فعندما يفتري عليك مفتر فاعلم أن هذه سنة الله في الخلق، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] يعني: المجرم يضحك من المؤمن: ((إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)).
فإذاً: لا تحزن؛ فهذه سنة الله في الأرض، بل لا يوجد أحد عانى من الكفار والفجار والمنافقين واليهود أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنا فيه العبرة ولنا فيه الأسوة.
الفائدة الثالثة: كيف تصبر على زوجتك في البيت؛ لأن امرأتك مادامت على الطريق فاسأل الله السلامة، وإذا لم تكن امرأتك على الطريق فاعلم أنك تزوجت حريقاً مشتعلاً ليل نهار، واسأل الله أن يهديها.
قال فيها عمر بن الخطاب: إن أحسنت لم تشكرك، وإن أسأت لم تغفر لك إساءتك.
وكان سيدنا عمر يستعيذ من زوجة ومن جار، إن رأى الواحد منهم حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها.
والحسن البصري عندما لقيه جاره وقال له: إن فلاناً يقول عنك كذا وكذا، يعني: خبراً ليس بجيد؛ فقال له الحسن: ألم يجد الشيطان أحداً غيرك لينقل لي ما يقول فلان؟ وإذا عرفت زوجتك دروس العلم وعرفت حقوق الزوج فتلك نعمة يجب أن تحمد الله عليها، فمن عنده زوجة صالحة إن نظر إليها سرته، تتعامل معه برفق ولين، وجاء في الحديث: (إذا أراد الله ببيت أو بأهل بيت خيراً رزقهم الرفق واللين).
فمعرفة السيرة مهمة، فبدراستها تعرف كيف تتعامل مع أهلك، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضلع أعوج)، ولا يعني ذلك أن المرأة عوجاء، بل تكوينها هكذا؛ لأن الضلع لو عدلته ينكسر؛ لأن الله خلقه هكذا، فكيف تعاملها؟ قال: عاملها على عوجها، فالمرأة تكون عصبية في بعض الأيام، وخاصة في أيام الدورة تكون حالتها سيئة للغاية، فتركيبتها تتغير، ولا تتحمل، فالمسلم يجب أن يراعي حال زوجته، ويصبر عليها، وإذا دخل بيته سلم على زوجته وصافحها برفق وحنان من قلبه.
فإذا أحب الله بيتاً أدخل عليهم الرفق واللين، إذا مررت بجانبه لا تسمع فيه صوتاً، فتقول: هذا بيت فلان ألا يوجد به أولاد؟ يقال لك: بلى إن عنده خمسة أولاد، ولكن لا يوجد صوت؛ لأن الأب متصل بالله والأم متصلة بالله، والله رزقهم السكن والمودة والرحمة والرفق واللين فلا تسمع لهم صوتاً، وجاره لا يوجد معه إلا ولد، فتسمع المرأة تصيح والرجل يصيح، والولد يكسر ويفسد، والجيران وجيران الجيران يسمعون هذا، فهل هذا البيت فيه المودة والرحمة؟! أيضاً: من فوائد دراسة السيرة: أنها تعلمنا كيف كان يتعامل صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، وكيف كان الصحابة مع زوجاتهم، كيف كان أبو ذر مع زوجته، وكيف كان عبد الله بن رواحة مع امرأته، وكيف كان عبد الله بن مسعود مع امرأته زينب، كيف كان يعامل هؤلاء أزواجهم؟ هؤلاء تلاميذ الحبيب عليه الصلاة والسلام.
كذلك من فوائد دراسة السيرة: أننا نعيش في شظف العيش وغلاء المعيشة وكثرة البلايا والابتلاءات وأصبحت الصدور ضيقة، فما أن يتحدث متحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وينشرح الصدر.