والسنة التالية للاستعاذة هي البسملة، وقد قال أحمد ومالك رضي الله عنهما: يسر بالبسملة.
وقال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما: يجهر بالبسملة، فعندما تجد إماماً يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) وإماماً آخر يقول: (الحمد لله رب العالمين)، فاعلم أنهما على صواب، ومذهبك أنت مذهب من يفتيك، فلو أن شخصاً قال: هل الرسول كان يقرأ البسملة أو لا؟ نقول له: إن الحديث الذي وصل إلى أبي حنيفة هو أن الرسول كان يجهر بالبسملة، والأحاديث التي وصلت إلى أحمد ومالك فيها أن الرسول كان يسر بالبسملة، أو أن الرسول أحياناً كان يجهر بها وأحياناً كان يسر بها، وكلاهما صواب.
كحال بعض الخطباء حين يصعدون إلى المنابر، فبعضهم يجلس، وبعضهم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا حدث من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حدث منه.
ولذلك كان على الذي يتصدر للفتوى أن يدرس المذاهب، وقبل أن يدرس المذاهب يدرس أصول الفقه، والذي لا يدرس أصول الفقه لا يجوز أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، ولذلك وددت من الدولة إذا عينت مفتياً أن تختاره فقيهاً أصولياً يؤصل القواعد؛ لأن هذه مسألة مهمة.
ففي كتاب إعلام الموقعين للإمام ابن قيم الجوزية ذكر تسعاً وتسعين حالة لموضوع معين كموضوع الطلاق، وأذكر أن أستاذنا الذي علمنا أصول الفقه درسنا على مدى اثنين وعشرين شهراً ثلاث حالات من التسع والتسعين بالتفصيل، ثم قال: أكملوا أنتم، فالقضية عسيرة.
فأريد أن أقول: إن مسألة (حرام وحلال) ليست سهلة، وقد صارت كلمة الحرام عندنا أمراً ميسوراً، فتجد الولد يدفع أخاه في البيت ليلعب معه، فيقال له: يا ولد! حرام عليك، يا بنت! حرام عليك، فكلمة (حرام) أصبحت خفيفة على الناس من كثرة استخدامها، وكلمة الحرام لا تقال إلا بنص، وكلمة الحلال لا تقال إلا بنص.