فالإيمان عندما يكون في شغاف القلب فإنه يعمل خيراً كبيراً وكثيراً، وقصة سحرة فرعون أكبر شاهد ودليل، وفقد ثبتوا على الحق ولم يخافوا الموت، وقد ذكرت كتب التفسير أنهم كانوا ستين ألف ساحر.
والسحرة في ذلك الزمن بمثابة وزارة الإعلام والصحافة من إذاعة وتلفزيون في زماننا الحاضر.
فقال السحرة لـ فرعون: {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:113 - 114] أي: نحن سوف نرقيكم، فأجمعوا أمرهم وقالوا: {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه:65] أي: من سيرمي الأول، {قَالَ بَلْ أَلْقُوا} [طه:66] فلما ألقوا رموا الحبال والعصي، فكان {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66].
يقال: إنها كانت عبارة عن أنابيب مثل البلاستيك المطاطة مليئة بزئبق، فعندما رموها إلى الأرض فإن الزئبق لا يستقر في الأنبوبة فيحصل له تمدد مع أشعة الشمس فتتحرك الأنابيب المطاطية وكأنها ثعابين.
قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] أي: أن النبي الرسول الكريم خاف منها.
قال تعالى: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:68 - 69].
فلما ألقى سيدنا موسى عصاه التقمت كل الحبال والعصي حق الستين ألف ساحر، قال تعالى: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف:117]، فالسحرة يفهمون لعبة الحسر، فعندما ألقى موسى عصاه فأكلت حبالهم وعصيهم عرفوا أن هذه آية منعند الله وليست من قبيل السحر، فإذا بالسحرة قد سجدوا لله رب العالمين وآمنوا برب موسى وهارون.
قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [الأعراف:123]، لأنه كان مقتنعاً أنه إله، قال تعالى حاكياً عن قول فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38].
قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71]، أي: إنه لزعيمكم ورئيسكم الكبير الذي علمكم السحر.
وحجة الطاغية التهديد، فالله هو الجبار القهار القوي وفرعون ضعيف لا يملك لنفسه نفعاً وضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فرد عليه السحرة، قال تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه:72]، أي: لن نفضلك على ما جاءنا من أمور العقيدة الواضحة.
قال تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72]، أي: الذي تريد أن تعمله فأعمله، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:72 - 73] فجعل الله تعالى تدمير فرعون في تدبيره.