أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فنسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الجلسة خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، وأنر بها على الصراط طريقنا، وأظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونق قلوبنا، وبيض وجوهنا، وآمن روعاتنا، واغسل ذنوبنا، ونقنا منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واقض دين المدينين، وفك كرب المكروبين، وفرج اللهم كروبنا وكروب المسلمين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
هذه هي الحلقة الحادية عشرة أو الدرس الحادي عشر في سلسلة حديثنا عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الثانية في الحديث عن مسألة الوحي.
والحديث عن مسألة نزول الوحي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلح أن يقرأ على قلوب مهمومة مشغولة بهم الرزق والعيال والزوجة والجار والدار والعمل والمال وقلة ذات اليد وسوء المعاملة من الناس، فلا يصلح العلم مع قلب كهذا القلب.
ولكن المسلم الذي يريد قلبه أن يتفتح للعلم يأتي إلى المسجد أولاً ابتغاء مرضاة الله، لا أن يأتي الجامع من أجل أن يراه فلان، من أجل أنه غاضب من زوجته ساعة، أو أن هذا الرجل يقول كلاماً حلواً فقط، فانتبه أن تكون أتيت من أجل هذا.
بل يجب أن يكون قدومك إلى بيت الله من أجل أنك تلقى أعز الأحبة، وليس لنا حبيب سوى الله، وأنت قد يكون لك ابن أو أخ أو أب عزيز لديك، فما بالك بعزة الله عز وجل ومكانته عند المؤمن، وقد قيل للحسن البصري: ما مكانتي عند الله؟ فقال: انظر ما مكانة الله عندك، تعرف مكانتك أنت عند الله فإذا كان الله كل شيء عندك فأنت عند الله كل شيء، وإذا كان الله عز وجل هو آخر الاهتمامات بالنسبة لك - يعني: إن كان آخر ما تهتم به هو الله والدين وأمر الآخرة - فثق تماماً أنك لا تساوي عند الله شيئاً، اللهم اجعلنا من الذين يساوون عندك أشياء يا رب العباد! ولا تأت إلى المسجد من أجل أن تتعلم كلمتين تتفلسف بهما على صاحبك في المكتب أو جارك الذي يحضر عند الشيخ فلان، فنحن لا نضرب الناس ببعضها، ولكن ائت إلى بيت الله ابتغاء مرضاة الله، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العالم رضاً بما يصنع، ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، من أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم.
فمسألة العلم أو مسألة إتيانك إلى بيت الله عز وجل يجب أن تكون خالصة لوجه الله الكريم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحب بطلاب العلم ويقول: (مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى)، وكان يرحب بمن يريد العلم، وكان دائماً ينزل الناس منازلهم، وكان يقول عن سلمان الفارسي: (لقد جمع علم الأولين والآخرين).
وكان يقول عن ابن عمه ابن عباس: (وعاء ملئ علماً).
فـ سلمان الفارسي جمع علم الأولين والآخرين، ومعاذ بن جبل سيرفع راية العلماء يوم القيامة، وعمر بن الخطاب الملهم، وعلي بن أبي طالب باب مدينة العلم، فما بالك بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟