وفي المقابل لا بد للزوج من أن يقدر ذلك لزوجته، فهل من المعقول أن تحبك زوجتك مع ما يحصل من المشاكل؟! وهل ستبقى أنت والزمن ضدها، أم أنك ستكون معها ضد الزمن؟! لابد من أن تبقى معها، فأنت الصدر الحنون، ففي الحديث: (عيشوا مع الناس حتى إذا فارقتموهم حنوا إليكم، وإن متم ترحموا عليكم) فعاملها بحسن، حتى إذا غبت قالت: متى يأتي لنستأنس به في البيت.
فتحب رجوعك إلى البيت.
وأنت كذلك، فلا تقلب عينيك فيما حرم الله، ثم ترجع لترى زوجتك فتستقل نعمة الله عليك، فالشيطان يزين لك المعصية، ويضع لك السم في العسل، ويريك النساء الأخريات في العمل على أنهن النساء، أما التي في البيت هذه فهي امرأة عادية، ولو قصرت نظرك على ما أحل الله لك لحسن الله زوجتك في عينيك، ومن غض بصره اتقاء الله عز وجل أعقبه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه، ويجري الله الحكمة على لسانه، فغض بصرك وتعود على هذا، وسترى الثمرة.
يروى: أن حاتماً الأصم كان صاحبه شقيق البلخي ثلاثين سنة، فجاء يوماً فقال شقيق لزوجته: من في الباب؟ فقالت: صاحبك الأعمى.
فجاء فرأى حاتماً، وحاتم ليس أعمى، فقال: زوجتي تظنك أعمى، فـ حاتم كان يغض بصره، فنريد أن نكون مثل حاتم.
وإنا لنعجب من حال ما يحصل في مدارسنا، فأحد الطلاب يقول: أنا في ثاني ثانوي، تدرسني مدرسة اللغة، فتقول لنا وهي تدرس: انظروا إلى فمي وأنا أتكلم؛ لأجل أن تعرفوا مخارج الحروف! وولي أمر طالبة يقول: ذهبت أسأل عن ابنتي في الثانوية، فدخلت وقت الفسحة فسألت عن الأستاذ، فدلوني عليه، فذهبت فلقيت الأستاذ وهو مع خمس من تلميذاته يأكل معهن، فقلت له: حضرتك الأستاذ فلان؟ قال: نعم، قلت: هل أكلم سيادتك على جانب؟ فأنا ولي أمر التلميذة فلانة، فغضب الرجل؛ لأنه قطع عليه خلوته! ومدرسة الكيمياء تدرس المعادلة على السبورة، فجاء الأولاد يشتكون، ومن شكواهم: أن المدرسة ترفع يدها وهي لابسة لبساً قصيراً، فبالله عليك هل الولد سينظر إلى المعادلة؟! فأنا أريد منك أن تجرب غض البصر، فيا ليت أنا نجرب غض البصر، ونجعله رياضة نفسية نتعود عليها، وفي البداية سيكون أمراً عسيراً، ولكن عسره يزول إلى أن يصير عادة، ولذلك يقال: إن سيدنا أحمد بن حنبل خرج مرة إلى صلاة العصر وإذا به يرجع، ففتح الباب فخافت زوجته وقالت: ما لك يا أحمد؟! فقال وقد وقعت عينه على كعب امرأة ماشية: هذا زمان الفتن.
فلا بد من أن نتواصى بالصبر، فالله تعالى يقول: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، والصبر أنواع، فأصعب أنواعه الصبر على الطاعة، فالصبر على البلية قد يكون سهلاً، وكذلك الصبر عن المعاصي، ولكن الصبر على الطاعة عسير، فمن منا يقوم الليل فيصلي ساعتين؟! فقيام الليل عسير؛ لأنه ضد هوى النفس، فالذي ضد هوى النفس يرضي الله، والذي مع هوى النفس يغضب الله، وكل ما ألصقك بالدنيا يبعدك عن الله، فالأموال حين تكثر يشغل البال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من حافظ عليها -يعني: الصلاة- كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف) وإنما ذكر هؤلاء الأربعة؛ لأنه لا يمنعك عن الصلاة ولا عن دروس العلم ولا عن المساجد إلا شواغل هؤلاء الأربعة، فقد تكون ملكاً، فالملك يمنعه ملكه عن الصلاة، فلا يصلي ولا يذهب إلى المساجد، فهو مع فرعون، وقد تكون وزيراً فلا تصلي وتكون مع هامان، وقد يمنعك مالك فتكون مع قارون، وقد يمنعك عن الصلاة تجارتك فتكون مع أبي بن خلف.
فإذا أحسنت معاملة زوجتك فسوف تجد نتيجة طيبة، ولذلك يروى: أن أحد العلماء استضاف تلميذه فقرب إليه أكلاً، فبينما هما يأكلان إذا بزوجة العالم تؤنب العالم وتقول له: يا من يصنع ويغفل.
فالتلميذ قال: ما هذا؟ فابتسم العالم، فقال له التلميذ: لو كنت مكانك لخنقتها.
فقال له العالم: أتذكر عندما أكلنا في بيتك في الجمعة الماضية؟ قال: نعم، قال له: ماذا حدث؟ قال: قفزت الدجاجة على صحفة الأكل فقلبتها.
فقال: هل غضبنا من الدجاجة؟ قال: لا، قال: أنزلت امرأتي منزلة الدجاجة.
ورجل سفيه دخل على عالم يعظ الناس فتعمد وداس على رجله، فقام إليه الناس، وقال العالم: اسكتوا، فقالوا له: لقد داس على قدمك فابتسمت، ونحن الذين تألمنا، فقال: أنزلته منزلة الحجر، فلو عثرت بحجر فهل سأضربه؟! فانظر يا أخي إلى هؤلاء كيف يسهلون الأمور! وكلنا نعرف قصة سيدنا عمر بن عبد العزيز حين دخل المسجد في الظلام، وفيه رجل نائم، فداس على رجل النائم، فهب الرجل مذعوراً وأمسك بتلابيب أمير المؤمنين، وقال: أأنت أعمى؟! فقال سيدنا عمر: كلا، فالذين كانوا حول أمير المؤمنين غضبوا، فقالوا: يا أمير المؤمنين! يقول: أأنت أعمى وتسكت؟! قال: إنما سألني سؤالاً: أأنت أعمى؟ فقلت له: كلا.
فبالله عليك إذا كانت هكذا فهل ستغضب من زوجتك أو ستغضب زوجتك منك؟! فكيف تكون حنوناً على زوجتك؟! لقد قال الحبيب: (من نظر إلى زوجته نظرة رحمة نظر الله إليهما نظرة رحمة، ومن نظر الله إليه نظرة رحمة لم يعذبه يوم القيامة) فالله يغفر لك بنظرة إلى زوجتك.
فأنا أريد أن أقول: إن كل مشاكلنا في البيوت سببها عدم الصبر، فلا الرجل قادر على أن يصبر على زوجته، ولا الزوجة قادرة على أن تصبر على زوجها.