وفي أول زيارة وأول لقاء بين إبراهيم وإسماعيل قال إبراهيم لإسماعيل: إن الله أمرني بأمر، أتعينني عليه؟ قال له: أعينك يا أبتاه، فقال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102].
فتخيل أنك أخذت امرأتك وابنك وهو رضيع وتركتهما في مكان بعيد، وبعد اثنتي عشرة سنة أتيت إلى ابنك فقلت له: أنا أتيت لأذبحك.
فبالله عليك ماذا سيقول الولد؟! فسيدنا إبراهيم قال لابنه: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102]، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102]، فالأمر من الله، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
ثم قال: يا أبت! إن أردت تنفيذ أمر الله فألقني على وجهي، فقال: لماذا يا بني؟ قال: ربما رأيت وجهي فتأخذك الرقة فلا تنفذ أمر الله في.
فالابن يشجع أباه على الطاعة وأما أبناء اليوم فإنهم يشجعون آباءهم على المعصية.
لقد كان عمر سيدنا إبراهيم في الوقت الذي سيذبح فيه إسماعيل ثمانية وتسعين عاماً، هل له بعد ذلك أمل في أن يخلف ولداً آخر؟! إنه تنفيذ أمر الله.
وقال له أيضاً: وشد وثاقي، لكي لا يتطاير بعض من دمي يصيب ثوبك.
فالذي نخرج به من دروس السيرة هو التوكل على الله، وتنفيذ أمر الله، سواء رضي العقل أم لم يرض.
قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103]، أي: أسلما لله، ولذا قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:130 - 131]، والإسلام ليس كلاماً، بل الإسلام عمل وعقيدة، فكلام الإيمان سهل، ولكن العمل الإيماني هو الصعب، فالعمل الإيماني هو تحويل الكلام إلى عمل، وساعتها تكون المؤمن الحقيقي.
قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103] أي: أسلما أمرهما لله، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]، أي: جعله على وجهه كما قال له.
فحينئذٍ نزل جبريل بكبش الفداء: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:106 - 107] فنجح في الامتحان.