بسم الله الرحمن الرحيم.
أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده.
وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو الدرس التاسع في سلسلة دروسنا عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسموات.
ونسأل الله عز وجل في بداية هذه الجلسة الطيبة أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يثقل بها موازيننا يوم القيامة، وألا يجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً.
اللهم لا تدع لنا -يا مولانا- ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مديناً إلا قضيت دينه، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا حاجة من حوائج الدنيا لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها بكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اشرح صدورنا، واغفر ذنوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وأذهب الغل والحسد من قلوبنا، واجعلنا إخوة متحابين فيك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
كنا قد توقفنا عند زواج السيدة فاطمة الزهراء قرة عين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من ربيب بيت النبوة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه.
وتحدثنا عن أبناء فاطمة الأربعة ذكوراً وإناثاً، فتحدثنا عن الحسن وعن الحسين وعن زينب وعن أم كلثوم، فاللهم ألحقنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر يا أكرم الأكرمين.
وتحدثنا عن زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة، وكيف وقفت معه، وكيف ناصرته، وكيف أيدته، وكيف كانت القلب الحنون، وكانت الإنسانة التي تخفف وطأة الحياة على قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وهكذا يجب أن تكون المرأة المسلمة، فيجب أن تكون بجوار زوجها هي الزوجة، وهي الأم، وهي الابنة، وهي الحبيبة، وهي الرفيقة، وهي التي تكون مرآة لزوجها يرى فيها عيوبه، ويصل هو وهي بطاعتهما لله عز وجل إلى حياة هانئة سعيدة فيها سكن وفيها مودة وفيها رحمة، فاللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، ووفقنا وزوجاتنا وذرياتنا إلى ما تحبه وترضاه يا أرحم الراحمين.
والتاريخ كله سلسلة واحدة، فهو عبارة عن حلقات، كل حلقة متصلة بالتي تليها، وقبل أن أدخل في قضية بعثة الحبيب المصطفى ونزول سيدنا جبريل عليه السلام أقف قبل ذلك قليلاً عند أبي الأنبياء الذي نحن على ملته، وسمانا بالمسلمين، ووصفه الله بأنه كان أمة قانتاً لله، ولقيه الحبيب ليلة المعراج في السماء السادسة فرحب به وحياه: وقال: أهلاً بالنبي الصالح والابن الصالح، وأنبأه بأن الجنة كلها قيعان، غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فالحديث عن خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فنحن في كل تشهد نذكر الفضل لخليل الرحمن عليه السلام، فنقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
والأنبياء -كما قال صلى الله عليه وسلم- كلهم إخوة، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، فكل رسول من الرسل يأتي فيقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، فهذه الجملة عنوان لدعوة كل رسول إلى الله عز وجل.
ومما نعلل به الحديث عن سيدنا الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن قصة سيدنا إبراهيم تكاد تتقارب مع رسالة الحبيب المصطفى، ثم إن الابتلاءات التي ابتلي بها الرسل كان للخليل النصيب الأعظم منها، فمدحه رب الأرض والسموات فقال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]، فبم وفى؟ قال أهل العلم: وهب جسده للنيران، وطعامه للضيفان، وابنه للقربان، وروحه للرحمن، فهو متصل بالله عز وجل.
ثم إن سيدنا إبراهيم هو أبو الأنبياء، ويدعيه أهل كل ملة، ولكن يبين الله سبحانه وتعالى الحقيقة الأساسية والتاريخية فيقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67]، فسيدنا إبراهيم ليس بيهودي ولا نصراني، ولكنه حنيف مسلم عليه السلام.