فسيدنا علي لما قيل له: أهلاً ومرحباً رجع ثانياً إلى سيدنا الحبيب وقال له: يا رسول الله! أرضيت أن تزوجني فاطمة؟ قال: نعم يا علي! اذهب فأحضر أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ومثلهم من الأنصار؛ حتى يشهدوا على العقد.
فحضر العشرة، ودخلوا إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي! ما عندك؟ قال: عندي درع حطمية، يعني: تتحطم السيوف عليها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب بعها يا بلال! في السوق، فباعها بأربعمائة درهم، وجاء بالأربعمائة وجلس متأدباً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور عشرة من صحابته رضوان الله عليهم جميعاً، فقال: يا علي! اخطب لنفسك.
فخطب علي في حضرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله شكراً لأنعمه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله تبلغه وترضيه، وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربعمائة درهم، فاسمعوا ما يقول، واشهدوا على العقد.
فقال الصحابة بأدب: ماذا تقول يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المهروب من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، ونيرهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفروضاً، وحكماً عادلاً، وخيراً جامعاً يعني: إن ربنا جعل المصاهرة تجمع بين الأسر، وهي تناسب وتقارب بين الناس، وقد قال أجدادنا: النسب مثل اللبن.
فلا تقل: إن القطيعة حصلت، وحاول أن تقرب، لا أن تبعد، ودع الوزر على من يقطع الأرحام.
اللهم لا تجعلنا من المقطعين للأرحام يا رب العالمين! أوشج بها الأرحام أي: اجعلها وشيجة وقربة، وألزمها الأنام، فقال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان:54] وأمر الله يجري إلى قضاء، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] ثم إن الله قد أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إلى آخر القصة.