الحمد لله، وأفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات على سيدنا محمد وعلى آله وسلم: وبعد: فالعبد المسلم منا قد يرى أمامه في المجتمع أموراً متشابكة متضاربة، وهذه الأمور قد تصيب البعض منا بالإحباط، وقد تصيب بعضنا باليأس لما يرى من فساد الناس والذمم، وانتشار الفوضى، وبعد الناس عن طريق الله عز وجل، حتى صار كثير من الناس ينظرون إلى الملتزمين في طريق الله عز وجل أنهم أهل سوء ومصالح ذاتية، لا أهل مبادئ، وللناس بعض من الحق، لأنهم يرون بعضنا يسيء إلى الدين دون أن يدري.
فربما يخلف الناس كلهم مواعيدهم، ولكن عندما يخلف المحافظ على الصلوات في المساجد ودروس العلم والمنتمي إلى ما يسمونه الآن التيار الإسلامي فإن ذلك خطير، والحمد لله أننا لسنا تياراً ماركسياً ولا شيوعياً ولا فنياً.
اللهم اجعلنا من تيار المسلمين يا رب العالمين! واجعلنا موجات متعاقبة من تيار لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم احشرنا في زمرة الموحدين، واجعلنا من هؤلاء يا أكرم الأكرمين! آمين يا رب العالمين! وعندما يخلف الوعد من يشار إليه بالبنان بأنه يذهب إلى المسجد في كل وقت، ويؤدي العمرة والحج ويزكي عن ماله إلخ فلا يعيب الناس عليه كما يعيب بعضهم على بعض في الشارع؛ لأنه ألزم نفسه خطاً، فوجب عليه أن يلتزم بهذا الخط.
وقد تضحك امرأة بصوت مرتفع في مكتب من مكاتب الموظفين أو في الشارع، ولكن المخمرة أو المنقبة إذا ضحكت بصوت مرتفع فإن هذا يثير حفيظة الناس ضدنا الذين نقول: إننا على الخط أو نكاد؟ وبلا شك نظرتهم إلى الملتزم غير نظرتهم إلى غير الملتزم.
ولو أن امرأة تلبس بنطلوناً وتمضغ لبانة في الشارع وصوتها مرتفع فلا أحد يعيب عليها، ولكن المحجبة والمختمرة والمنقبة إذا علا صوتها على صوت الرجل أو في الطريق العام فهي تلفت النظر.
فالإنسان المسلم يجب أن يراعي أن كل حركة محسوبة عليه.
ولو أن إنساناً لا يعرف طريق المسجد جلس على قارعة الطريق أو على قهوة من القهاوي وجلس ينظر إلى الذاهبين والراجعين فلا يعاب عليه، ولكن إذا جلست أنت يا من تحافظ على دروس العلم في المساجد وتنقب عن مجالس العلماء على قهوة من هذه القهاوي فسوف يعاب عليك، ولن يعاب عليك فحسب، ولكن للأسف سيخوض الناس في الإسلام، ولذلك كان الصحابة والتابعون من بعدهم يتأسون برسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يكون ظاهرهم كباطنهم، فلابد من الحفاظ على المظهر العام؛ حتى لا تخوض الناس في عرضه، فلا ينهى الناس عن شيء ويأتيه هو، فهذه هي الكارثة.
والحكيم العربي يقول: إن عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل.
يعني: إنسان يلتزم بما يقول من غير أن يقول شيئاً، وإنما هو مخلص في عمله، محافظ على مواعيده، لا يعطل مصالح الناس، إن كان في يده مشكلة حلها بفضل الله، ويسعى بين الناس في الخير، ولا يتكلم، فهذا عنوان طيب للإسلام.
وهذا عمل رجل في ألف رجل، وخير من قول ألف رجل في رجل.
ومن قبل خمسة وعشرين سنة من انقلاب اثنين وخمسين إلى نكسة سبعة وستين وهم يبحثون على تعريف للفلاح، ومن هو الفلاح؟ ويأتون يمين وشمال، ولجان تنفض ولجان تجتمع؛ حتى يعرفوا الفلاح! وهو كلام لا يغادر حلوقهم، ولذلك يدخل من أذن ويخرج من الأذن الأخرى.
ورجل من الجزائر اسمه أحمد بن بلا ركن سنوات طويلة إلى الاشتراكية ثم بدأ يقرأ عن الإسلام، ثم قال قبل أن يصل إلى الجزائر وهو في المنفى: ضيعت شطر عمري في أشياء لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فقد تسمينا بالاشتراكية وبالقومية، ولا شيء يبقى إلا الإسلام وكلمة التوحيد والعمل بها.
وهذا بعد أن رفعوا الشعارات الضخمة والقوية.