فخوفي وتوكلي على من يقول للشيء كن فيكون، ولذلك سمع أحد التابعين حديثاً من أحد الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بايعوني، فمددنا أيدينا، فقال: ألا تسألون علام تبايعوني؟).
فانظر إلى إذعان الصحابة، فبمجرد أن قال: بايعوني، مد كل يده، لو قلت الآن من سيبايعني؟ لقلتم: على ماذا وكم ستعطينا، ومتى وأين وهل ستعطينا شقة أم لا وهكذا، أما الصحابة فقال لهم: تبايعونني؟ فمدوا أيديهم، فقال لهم: لماذا لا تسألوني؟ (فقالوا: يا رسول الله! نبايعك على ما تقول، فبايعهم على عدم الشرك بالله، وعدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعدم ارتكاب الفواحش) إلى أن قال: (وألا يسأل أحد منكم شيئاً إلا الله)، يعني: لا أحد منكم يسأل شيئاً من أحد إلا من الله، يقول الراوي: فكان الواحد منا يقع منه خطام ناقته فينزل ويأخذه قبل أن يناوله أحد.
من أجل أن يطبق كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء الصحابة على العين وعلى الرأس، ولكن تعال إلى التابعي الذي سمع هذا الحديث، وهو سعيد بن جبير رضي الله عنه، فقد قال: وأنا أعاهد الرسول على ما عاهده عليه السبعة.
أي: سأعاهده على ألا أسأل أحداً غير الله شيئاً، فأراد الذهاب إلى الحج، فقالت له زوجته: لتبق معنا فإن ابنتنا مريضة، فقال: إني عقدت النية وإن ماتت فبقضاء الله عز وجل، وكانت زوجته صالحة، فلم تذهب إلى أخيها وابن عمها وخالها ولم تجمع الجيران لتشكوه.
فخرج، فتخلف عن القافلة، فوقع في بئر ليس فيه ماء، فقال: أنادي لعل أحداً يسمع، قال: فتذكرت بيعتي لرسول الله فلم أناد.
قال: فسمعت لغطاً وأصواتاً، وكان الوقت ليلاً، وكان العربي عندما يجد حفرة يستطيع بصوته أن يعرف إن كان فيها ماء أم لا، وإذا بالصوت يقول: هذه حفرة وليست بئراً، فتعالوا لندفنها لكيلا يقع فيها أحد.
قال سعيد بن جبير -رضوان الله عليه-: فهممت أن أنادي، فتذكرت بيعتي لرسول الله فسكت.
قال: فلما أيقنت الهلكة قلت: يا رب! لا أسأل إلا أنت، وعلمك بحالي يغني عن سؤالي.
فرأيت نفسي على وجه الأرض.