مقامات الحريري (صفحة 454)

وإنْ كانتِ الحَنّانَةَ البَروكَ. والطّمّاحَةَ الهَلوكَ. فهيَ الغُلُّ القَمِلُ. والجُرْحُ الذي لا يندَمِلُ! فقلتُ له: فهلْ ترى أن أترَهّبَ. وأسلُكَ هذا المذْهَبَ؟ فانْتَهَرني انتِهارَ المؤدِّبِ. عندَ زَلّةِ المتأدِّبِ. ثمّ قال: ويلَكَ أتَقتَدي بالرُّهْبانِ. والحقُّ قدِ استَبانَ؟ أُفٍّ لكَ. ولوَهْنِ رائِكَ. وتبّآً لك ولأولَئِكَ! أتُراكَ ما سمعْتَ

بأنْ لا رَهْبانيّةَ في الإسلام. أو ما حُدّثْتَ بمناكِحِ نبيّكَ عليْهِ أزْكى السّلامِ؟ ثم أمَا تعلَمُ أنّ القَرينَةَ الصالحةَ تَرُبّ بيتَكَ. وتُلبّي صوتَكَ. وتغُضّ طرْفَكَ. وتطيّبُ عَرفكَ؟ وبها ترَى قُرّةَ عينِكَ. وريْحانَةَ أنفِكَ. وفرْحةَ قلبِكَ. وخُلْدَ ذِكرِكَ. وتعِلّةَ يومِكَ وغدِكَ. فكيفَ رَغِبْتَ عنْ سُنّةِ المُرسَلينَ. ومُتعَةِ المتأهِّلينَ. وشِرْعَةِ المُحْصَنينَ. ومَجْلَبَةِ المالِ والبَنين؟ واللهِ لقدْ ساءني فيكَ. ما سمِعْتُ من فيكَ. ثمّ أعْرَضَ إعْراضَ المُغضَبِ. ونَزا نَزَوانَ العُنظَبِ. فقلتُ لهُ: قاتَلَكَ اللهُ أتنطَلِقُ متبخْتِراً. وتدعُني متحيِّراً؟ فقال: أظنّكَ تدّعي الحَيرَةَ. لتَستَغْنيَ عنِ المُهَيْرَةِ! فقلتُ له: قبّحَ اللهُ ظنّكَ. ولا أشَبّ قرْنَكَ! ثمّ رُحْتُ عنهُ مَراحَ الخَزْيانِ. وتُبتُ منْ مُشاوَرَةِ الصّبيانِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ أُقسِمُ بمنْ أنْبَتَ الأيْكَ. أنّ الجدَلَ منكَ وإلَيْكَ. فأغْرَبَ في الضّحِكِ وطرِبَ طَرْبَةَ المُنهَمِكِ. ثم قال: العَقِ العسَلَ. ولا تسَلْ! فأخَذْتُ أُسهِبُ في مدْحِ الأدبِ. وأفضّلُ ربّّهُ على ذي النّشبِ. وهوَ ينظُرُ إليّ نظرَ المُستَجْهِلِ. ويُغْضي عني إغْضاءَ المتمهّلِ. فلمّا أفْرَطْتُ في العَصبيّةِ. للعُصبَةِ الأدبيّةِ. قال لي: صهْ. واسمعْ مني وافْقَهْ: ْ لا رَهْبانيّةَ في الإسلام. أو ما حُدّثْتَ بمناكِحِ نبيّكَ عليْهِ أزْكى السّلامِ؟ ثم أمَا تعلَمُ أنّ القَرينَةَ الصالحةَ تَرُبّ بيتَكَ. وتُلبّي صوتَكَ. وتغُضّ طرْفَكَ. وتطيّبُ عَرفكَ؟ وبها ترَى قُرّةَ عينِكَ. وريْحانَةَ أنفِكَ. وفرْحةَ قلبِكَ. وخُلْدَ ذِكرِكَ. وتعِلّةَ يومِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015