* ظهور دعوة الإسلام: هذا هو النظام الجاهلي الأول، الذي كان يعج بالهبوط الإنساني في كل شؤون حياته، وفقدانه لبدهيات الحياة المستقيمة السوية، لقد طال الفساد والخواء والضلال كل حياتهم، واستحال التغيير والإصلاح عند الكثير منهم، لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره على العالمين، وتشرق أضواء نوره وشريعته على هذه القلوب الغارقة في بحار من شهوات النفس والدنيا الفانية، والواقعة في مستنقع الرذيلة الآسن، فكانت البعثة الربانية والمحمدية، بعثة الإنقاذ والهداية لهذه البشرية الجاهلية التائهة، كانت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تغييراً حقيقياً وكبيراً لم يشهد مثله على طول التاريخ البشري كله، وما هذا إلا لأن مشركي جزيرة العرب جمعت فيهم جل أدواء وأمراض الأمم السابقة لها، التي لم تجتمع لأمة قبلها فكان الأمر جلل، كيف الطريق إلى تخليص هؤلاء من جميع هذه الأمراض والأدواء القاتلة، ولكن شاء الله ذلك، بحكمته وإرادته وقدرته كما أخبر سبحانه وتعالى بذلك في كتابه العزيز:" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"، فكانت البعثة وبداية تنزل الوحي الرباني بغار حراء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب السنة والسير والتاريخ بينت ذلك ودونته، فقد كان فتحاً من الله تعالى ومنة على هذه البشرية كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى هذه الرسالة الربانية، فاستجاب له بعض من الناس أول الأمر لتصديقهم له قبل البعثة ويقينهم في دعوته، فبدأ التكوين النبوي لجيل هذه الدعوة، ورعيلها الأول من خيار الصحابة رضي الله عنهم وكان ذلك باصطفاء من يدعوهم للإسلام، وقوة تأثيرهم على أفراد ذلك المجتمع الجاهلي، يقول أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى:" لقد وضع محمد صلى الله عليه وسلم مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشرية فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب، أصاب الجاهلية في مقتلها أو صميمها، فأصمى رميته، وأرغم العالم العنيد بحول الله على أن ينحو نحواً جديداً ويفتتح عهداً سعيداً، ذلك هو العهد الإسلامي الذي لا يزال غرة في جبين التاريخ " (ماذا خسر العالم:82).

* غربة الإسلام الأولى: ولكن مع بزوغ شمس الإسلام للوهلة الأولى وإشراقها على أرض الجزيرة المظلمة القاتمة بالشرك والضلال، وبزوغ رسالة الدعوة الإسلامية لهداية الخلق إلى توحيد خالقهم وإفراده بالعبادة وحده، بدأت الجاهلية الأولى بإعلان العداوة لهذا الدين، وإعلان الحرب الكبيرة على هذه الدعوة الإسلامية الجديدة، التي تريد هدم صرح الجاهلية، وهدم كل معتقداتها وتشريعاتها الباطلة وما تحمله من تصورات وأفكار، فبدأت قريش أولاً وهم أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان رفضها وعنادها لهذه الدعوة التي جاء بها ابنها، مع أنهم جميعاً كان بينهم بقايا من الحنفاء ومن أهل الكتاب أمثال زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل، ولكن هؤلاء ما كانوا يلقوا شيئاً من أذاهم ولا عنادهم ومكابرتهم، لكن الموقف هذا تغيراً تماماً تجاه دعوة الإصلاح والهداية دعوة الإسلام، فشعر المسلمون الذي آمنوا بهذا الدعوة واتبعوا رسولها، بشيء كبير من الغربة بين هؤلاء القوم فلم يعودوا لهم أولياء ولا أنصاراً، بل تحولت إلى نوع من العداء والاعتداء على الأموال والأبدان بالتنكيل والتعذيب المفرط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015