عاطف عبد المعز الفيومي
(الدعوة الإسلامية بين الغربة الأولى والتمكين)
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فالدعوة الإسلامية خير موضوع، لأنها دعوة الإسلام وحقيقته الربانية الكبرى، وهذه الدعوة اليوم أذن الله لها أن تعود من جديد بقوة وإيمان، لتتبوأ مكانها الأول، وقيادتها للعالم الذي تنكب الطريق الحق، وذهب لاهثاً وبقوة وراء الشهوات والنزوات، والكفر والإلحاد، إلا بقية من أمة الإجابة والهدى أمة الإسلام، التي لم تراوح مكانها بعد لتتسلم مفاتيح القيادة لهذه البشرية اللاهثة خلف السراب، القابعة خلف الحجب والدنايا، لتدلها على طريق هدايتها وسعادتها، وسلامتها وأمنها، ..
ولكن ثمة طريق طويل وشاق بين التكوين لهذه القيادة الرائدة للبشرية، وبين التمكين لها الموعود لها من الله تعالى في الأرض، نعم بدأت ملامحه تلوح في الآفاق، ودبت الصحوة الإسلامية في كل مكان، وبذرت بذورها لكنها لا تزال في حاجة كبيرة إلى العناية والمتابعة، في حاجة إلى التهذيب والتربية، وفي حاجة كذلك إلى التصحيح والتقويم، وفي حاجة إلى البصيرة والتبصير، وكل ذلك لا يكون إلا بجهد الأمة ودعاتها الصادقين، وجنود الدعوة القائمين بها والمخلصين، وحماية هذه الدعوة وشبابها من أعدائها المنافقين والمتربصين. ومن هنا كان لزاماً علينا أن نبسط بشيء من الكلام في هذا المحور الكبير الجليل - الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين - وإنه حقاً لموضوع يحتاج إلى جهود كبيرة ومخلصة، حتى تؤتى ثمارها بإذن ربها، ولا بد فيه من الوقوف على أحداث السيرة النبوية أولاً، وهنا نقف مع عدة محاور في هذا الموضوع الجليل.
أولاً: الدعوة الإسلامية وحقيقتها.
الدعوة الإسلامية: تعني الدعوة إلى الإسلام دين الله الحق، المنزل من عند الله تعالى، الذي أرسل به جميع أنبيائه ورسله، هداة للعالمين ورحمة لهم، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي اصطفاه الله لهذه الدعوة والرسالة الخاتمة لجميع الدعوات والرسالات:" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً .. الآية"، والدعوة الإسلامية تعني إقامة شريعة هذا الدين في الأرض، وإقامة عقائده وشرائعه ومبادئه وأخلاقه، كما أنها تعني صياغة الحياة البشرية كلها بصبغة الربانية والعبودية لله تعالى وحده لا شريك له، كما قال تعالى:" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وقال تعالى:" أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ... الآية".