والناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل فأفطر الحاجم والمحجوم ناقل عن الأصل قد غير حكم الأصل وحديث إحتجم وهو صائم مبقٍ على الأصل والناقل عن الأصل مقدمٌ على المبقي عليه وبناء على هذا الخلاف بين هذين القولين ذهب بعض أهل العلم إلى أن مسألة التبرع بالدم فرع عن مسألة الحجامة فإذا قلنا إن الحجامة تفطر فالتبرع يفطر وإذا قلنا إنها لا تفطر فالتبرع لا يفطر أيضاً ولهذا فإن الشيخ محمد بن صالح العثيمين «لما كان يرجح أن الحجامة تفطر رجح أن التبرع يفطر والذين قالوا لا تفطر الحجامة قالوا إن التبرع لا يفطر، وعندي أن المسألة يمكن أن يكون لها مأخذ غير هذا المأخذ وأنه حتى لو رجحنا قول الجمهور في أن الحجامة لا تفطر فإنه ليس بلازم أن نقول إن التبرع بالدم لا يفطر وذلك لأنه يختلف الأمر بين الحجامة والتبرع بالدم وكلكم أو من رأى الحجامة أو سأل عنها أو خبرها يعرف أن الدم الذي يؤخذ بالحجامة قليل جداً بالنسبة لما يؤخذ بالتبرع بالدم فأحياناً التبرع بالدم يؤخذ نصف لتر من الإنسان وأحياناً يؤخذ لتر كامل بينما الحجامة ما يصل أحياناً ما يؤخذ من المحتجم عن خمسين مللي لتر أو ثلاثين فهي كمية يسيرة فهل يصح أن نقيس عدم التفطير بأخذ خمس مئة مللي لتر من الإنسان أو لتر كامل على عدم التفطير بأخذ ثلاثين ملي أو عشرين ملي أو حتى خمسين ملي خاصة إذا أدركنا أن العلة في التفطير بالحجامة إضعاف البدن ولهذا ثبت كما في صحيح البخاري عن ثابت البناني «أنه سأل أنس ابن مالك رضي الله عنهما فقال: أكنتم تكرهون الحجامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنس _ لا إلا من أجل الضعف فهذا يدل على أن العلة في التفطير بالحجامة سواءٌ كان هذا الأمر باقيا محكما أو كان منسوخا ما تورثه من الإنهاك والضعف للبدن فإذا كانت هذه هي العلة، فلا يصح أن نقيس التبرع بالدم على الحجامة للفارق بينهما فإن هذا أكثر إنهاكا للبدن من الحجامة وهذا أمر معروف فأنت لو ذهبت الآن إلى مستشفى من أجل أن تتبرع بالدم لرأيت من الاحتياطات التي يفعلها الطبيب ما لا تراه حينما تقدم على الحجامة في مستشفى، دعونا من الإقدام على الحجامة مثلاً عند الحجامين الذين لم يلموا بعلوم الطب لكن لو أحتجمت بمركز صحي أو مركز طبي لما رأيت من الرعاية والعناية بالمريض أو المتبرع مثل ما تجد حين التبرع فإنهم في مسألة التبرع بالدم يشترطون على الإنسان أن يكون تناول غذاءً كافيا ويمدونه بالسوائل أثناء التبرع وبعد التبرع وهذا ظاهر الدلالة على أن عملية التبرع تنهك البدن أكثر مما تنهكه الحجامة فالحجامة شيء يسير يخرج من البدن هذا أمر، الأمر الثاني أنه أيضاً روى الخمسة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من استقاء فعليه القضاء ومن ذرعهُ القيء فلا قضاء عليه "ففي هذا الحديث أن من استقاء متعمداً يفطر بذلك، وقد ذهب من قال بأن من استقاء متعمداً يبطل صومهُ إلى أن العلة هي ما يورثه القيء - أعزكم الله- من الضعف والإنهاك للبدن وما يقال في الاستقاء يقال في التبرع بالدم بل ربما يكون في التبرع بالدم إضعاف للبدن أكثر من إضعافه بالقيء، الأمر الثالث يمكن أن يقاس التبرع بالدم على الحكم بالفطر للحائض فإن جمعا من أهل العلم ذهبوا إلى أن الحكمة من كون الحيض مفطرا من مفطرات الصيام أنه ينهك بدن المرأة وهو حالة مرضية تضعفها فيكون في إيجاب الصيام عليها إضعاف لها وضرر عليها ولهذا قضى الله سبحانه وتعالى بأن الحيض مفطر من المفطرات وأنه لا يصح الصيام معه، وبناء على ذلك فإن الذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم أن التبرع بالدم مفطر من مفطرات الصيام على القولين جميعاً، سواء قلنا بأن الحجامة تفطر أو لا