وذهب بعض أهل العلم أيضاً من المعاصرين إلى أن القطرة في الأنف لا تفطر واحتجوا على ذلك بأمرين: الأول أن ما يصل إلى الحلق من هذه القطرة قليل جدا فإن القطرة الواحدة ربما لا تصل كميتها إلى 6% من السنتيمتر المكعب الواحد فهي كمية قليلة جداً هذه الكمية يذهب أكثرها أو جلها في الشعب التنفسية والجيوب الأنفية وفي هذه القناة وما يصل منها إلى الحلق ثم بعد ذلك إلى المعدة قليل جداً فهو مما يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياسً على ما يصل إلى المعدة بعد المضمضة كما مر معنا سابقا. أيضاً مما احتج به أصحاب هذا القول أن هذه القطرة الطبية لو وصلت إلى المعدة فإنه ليس كل ما يصل إلى المعدة يحصل الفطر به. وعلى كل حال هذا الدليل فيه إشكال ونظر فبالتأكيد أن ما يصل من القطرة إلى المعدة سوف يحصل امتصاصهُ وليس صحيحاً أنه مثل الحصاة أو الخرزة أو نحو ذلك لكن كون هذا الذي يمتص مغذيا يحصل للإنسان به نشاط أو لا يحصل هذا ليس هو المعنى الذي يحصل به الفطر وإنما ما يصل إلى المعدة مما ينتفع به البدن أو يمتصه البدن ولهذا لو أن إنسانا مثلاً تناول سما هل نقول ما يفطر لأنه هذا ضار ولا ينتفع به البدن؟ هذا يعتبر أكلا أو شربا وبتالي يحصل به الفطر وبناء على هذين القولين فالذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم خاصةً أن ما يتعلق بالقطرة التي توضع بالأنف وإن كانت يسيره إلا أنه ما يأمن الإنسان أن يضع في أنفه خمس قطرات، هل الإنسان حينما يضع القطرة في أنفه نجزم بأنه وضع قطرة واحدة مقدارها 6% من السانتيمتر المكعب؟ هذا غير مجزوم به. بالأمس قلنا بالنسبة لبخاخ الربو البخه الواحدة الذي يصل منها يسير لأنها بخه واحدة لكن هنا قد الإنسان يريد أن يضع قطرة فيضع خمس قطرات. ثلاث قطرات. فنحن نقول إذا وصل إلى الحلق وإلى المعدة ما يزيد على ما يعفى عنه قياساً على ما يبقى بعد المضمضة فإنه يحصل به الفطر وإن كان الذي يصل إلى المعدة قدرا يسيرا جداً مثل ما يتسامح فيه مما يبقى بعد المضمضة فإنه حينئذ لا يحصل الفطرُ بذلك ولا شك أن المسألة كما قلت لكم إشكالها أنك ما تستطيع أن تجزم بمقدار ما وضع في الأنف فلو أن الإنسان جزم بأنه وضع قطرة واحدة في الأنف وما وصل من هذه القطرة إلى الحلق شيء لا يذكر قلنا إن القول الثاني هو الأرجح في هذه المسألة. لأن هذا يسير فهو مما يعفى عنه قياساً على ما يبقى في الفم بعد المضمضة لكن إذا لم يحصل اليقين بذلك ووضعت القطرة في الأنف ربما زادت وربما وصل إلى الحلق أكثر من ذلك فإننا نقول حينئذ إن هذه المسألة باب الاحتياط فيها ينبغي أن يكون مقدماً خاصةً أن النبي صلى الله عليه وسلم نص كما في حديث لقيط ابن صبره على عدم المبالغة في الاستنشاق إذا كان الإنسان صائماً وكما قلت لكم قبل قليل أنه في حال الاستنشاق إذا بالغ الإنسان في الاستنشاق فإن وصول شيء إلى حلقة مشكوك فيه ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يصل شيء إلى الحلق فيحصل الفطر به فهذا لا شك أن القول الأول في هذه المسألة أنه أحوط لكن لو أنها كانت قطرة واحدة وتأكدنا من ذلك فإننا نقول إن القول الثاني أرجح لكن إذا حصل الشك في ذلك أو كان أكثر من ذلك فإننا نقول إن القول الأول أحوط في هذه المسألة. بالمناسبة فإن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد كما قلت لكم في دورته العاشرة عام 1418هـ أتخذ قراراً بالنسبة لقطرة الأنف أنها لا تفطر بشرط أن لا يبلع ما يصل إلى حلقهِ فلو أنه وضع في أنفه قطرةً ثم وصِلَ إلى حلقة شيءٌ منها فمجه وأخرجهُ فإنه لا يفطر بذلك لكن لو أبتلعه فإنه يفطر ويكون كالقول الأول في هذه المسألة.
النازلة الخامسة: غازات التخدير.